فى ذكرى عاشوراء.....لكل فرعون نهاية
المقدمة :
الحمد لله رب العالمين , اللهم يا شاهد كل غائب ويا قريبا غير بعيد ، و يا غالبا ليس مغلوب ، اجعل لي من امري فرجا ومخرجا و ثبت رجاءك في قلبي واقطعني عمن سواك حتى لا أرجو غيرك ، اللهم يا من كفاني كل شيء اكفني ما أهمني من أمور الدنيا و الآخرة و صدّق قولي وفعلي بالتحقيق ،، اللهم فرج عني كل ضيق و لا تحملني ما لا اطيق ، برحمتك
رب كم نعمة أنعمت بها علي قلّ لك عندها شكري,و كم من بلية ابتليتني بها قلّ لك عندها صبري, فيا من قلّ عند نعمته شكري فلم يحرمني, و يا من قلّ عند بلائه صبري فلم يخذلني, و يا من رآني على الخطايا فلم يفضحني, يا ذا المعروف الذي لا ينقضي أبدا, ويا ذا النعم التي لا تحصى عددا, أسألك ألا تحرمني خير ما عندك بسوء ما عندي
وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له ,
يارب
يا من يرى ما في الضمير و يسمعُ *** أنت المعدّ لكل ما يُتوقعُ
ُيا من يُرجّى في الشدائد كلها *** يا من إليه المشتكى والمفزع
يا من خزائن رزقه في قول كن *** امنن فإن الخير عندك أجمعُ
مالي سوى فقري إليك وسيلةٌ *** فبالافتقار إليك فقري أدفعُ
مالي سوى قرعي لبابك حيلةٌ *** فلئن رُددت فأي باب أقرعُ
ومن الذي أدعو و أهتف باسمه *** إن كان فضلك عن فقيرك يُمنعُ
حاشا لجودك أن تُقنّط عاصيا *** فالفضل أجزلُ و المواهب أوسع
وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله اللهم صل على حبيبك محمد وعلى اّله وصحبه
أمابعد , فياجند التوحيد ويارعاة حمى الحق المجيد ،
مع الألم الذي يخفيه أمل
ومع الأمل الذى يحققه عمل
ومع العمل الذى ينهيه أجل
ثم يجزى كل امرئ بما فعل
المحرم وعاشوراء :
أيها الإخوة : شهرُ الله المحرَّم أحد الأشهر الحرم التي قال الله فيها:" إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّهِ ٱثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَـٰبِ ٱللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ ٱلسَّمٰوٰت وَٱلأرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذٰلِكَ ٱلدّينُ ٱلْقَيّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ" [التوبة:36].
هذا الشهر هو الذي ارتضاه المسلمون بأن يكون فاتحةَ العام، تاريخَ العام، فأرَّخوا العامَ ابتداءً من المحرَّم وانتهاءً بذي الحجة، يعني ما بين واحد من المحرم إلى آخر يوم من أيام شهر ذي الحجة.
هذا الشهر يقول فيه صلى الله عليه وسلم لما سئل: أي الصيام بعد رمضان أفضل؟ قال: ((شهر الله المحرم)).
عاشوراء يوم النصر العظيم :
هذا الشهر أفضله اليومُ العاشر منه، فاليوم العاشر من هذا الشهر هو أفضل أيام الشهر، ولهذا اليوم ـ أعني اليومَ العاشر منه ـ تاريخٌ سابق، له شأن عظيم، فهو يوم من أيام الله المشهودة,له ذكريات يحسن بنا أن نسترجعها ونأخذ منها العبر فمن لاماضى له لاحاضر له , وما أحوجنا فى هذه الأيام التى فاض فيها الكيل وعم وطم , وحوربت دعوة الحق وتلاقى ماتلاقى من كيد وتاّمر فى الداخل والخارج.
فعاشوراء هويوم النصر العظيم، يوم الصراع بين الحق والباطل، وبين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، وهو صراع قديم قدم البشرية ذاتها، ولا يزال مستعرًا مشبوبًا إلى قيام الساعة، وهذه سنة الله في خلقه، قال الله عز وجل: "الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا" [النساء:76]، وقال تعالى: "ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ" [محمد:4]. فالله تعالى قادر على أن يهلك الظالمين في لحظة، ويأخذهم على حين غرة، ولكنه ابتلى بهم عباده المؤمنين ليكشف معادنهم، ويمتحن صدقهم وصبرهم وجهادهم وبذلهم. فبالابتلاء يتميز المؤمن الصادق من الدعي المنافق, ويتبين المجاهد العامل من القاعد الخامل.
هذا اليوم يرتبط بدعوة موسى بن عمران كليم الرحمن، أحد أولي العزم من الرسل الذين قال الله فيهم: "فَٱصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلْعَزْمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ" [الأحقاف:35]
قصص الطغاة فى القرءان الكريم :
أيها المسلمون، لقد قص الله علينا في كتابه قصص طغاة كثيرين؛ طغوا وبغوا وملكوا البلاد، فأكثروا فيها الفساد، واستعبدوا العباد، ولكنْ بعد هذا الجبروت والطغيان و الإفساد: حلّ عليهم عذاب الله، فلم تُغن عنهم جموعهم شيئاً، فأين عاد وثمود؟ وأين نوح وأصحاب مدين؟ وأين فرعون وهامان وقارون؟ "أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ *إِرَمَ ذَاتِ ٱلْعِمَادِ *ٱلَّتِى لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِى ٱلْبِلَـٰدِ *وَثَمُودَ ٱلَّذِينَ جَابُواْ ٱلصَّخْرَ بِٱلْوَادِ *وَفِرْعَوْنَ ذِى ٱلأَوْتَادِ *ٱلَّذِينَ طَغَوْاْ فِى ٱلْبِلَـٰدِ *فَأَكْثَرُواْ فِيهَا ٱلْفَسَادَ *فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ *إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلْمِرْصَادِ" [الفجر:6-14].
فيادعوة الحق قصى مالقيت كم يؤذى الهدى ويعان الباطل البور
كم زعيم عدا نحوى لينطحنى فعاد من صخرتى والقرن مكسور
قصة الطاغية فرعون :
ومن هؤلاء الطغاة الذين ذكرهم الله في كتابه: فرعون مصر , وما أشبه اليوم بالبارحة، ذكر الله قصته مع موسى فيما يقارب ثلاثين موضعًا، وهي أكثر القَصص القرآني تكرارًا؛ وذلك لمشابهتها لما كان يعانيه الرسول صلى الله عليه وسلم من صناديد قريش وفراعين هذه الأمة, ولما فيها من التسلية له وللمؤمنين حينما يشتد عليهم أذى الكفار والمنافقين، وما كانت تلك القصة عبثاً، ولا مجرَّد تاريخ يُحكى، ولكنها العبر والعظات"لَقَدْ كَانَ فِى قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأوْلِى ٱلألْبَـٰبِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ ٱلَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلّ شَىْء وَهُدًى وَرَحْمَةً لْقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ" [يوسف:111].
ذلك الطاغية الذي علا في الأرض، واستكبر فيها، واستعبد أهلها، بل وادّعى الألوهية: "فَقَالَ أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ" [النازعات:24]. "مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِى" [القصص:38].
لقد بطر فرعون، غره ملكه وجاهه، غرته الجموع التي تأتي إليه صاغرة وتحتشد بين يديه ذليلة، غره المال الذي ينثال بين يديه والقوة التي تملؤه، فصاح في غباء وغفلة: "قَالَ يٰقَوْمِ أَلَيْسَ لِى مُلْكُ مِصْرَ وَهَـٰذِهِ ٱلأَنْهَـٰرُ تَجْرِى مِن تَحْتِى أَفَلاَ تُبْصِرُونَ" [الزخرف:51].
ظن الملك ملكه، والدولة دولته، فطفق يفعل ما يشاء، "إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِى ٱلأرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مّنْهُمْ يُذَبّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْىِ نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ" [القصص:4]،
ولم يكتفِ بالطغيان على البشر حتى تطاول على رب البشر، "فَأَوْقِدْ لِى يٰهَـٰمَـٰنُ عَلَى ٱلطّينِ فَٱجْعَل لّى صَرْحًا لَّعَلّى أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ وَإِنّى لأظُنُّهُ مِنَ ٱلْكَـٰذِبِينَ" [القصص:38]، بل قال بكل وقاحة: "ذَرُونِى أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ"!!
وظن فرعون بعد كل هذا الجبروت والطغيان أنه يتحكم في الأقدار، فقد كان بنو إسرائيل يتدارسون فيما بينهم مما حفظوه عن إبراهيم عليه السلام أنه سيخرج من ذريته غلام يكون هلاك فرعون مصر على يديه، وكانت هذه البشارة مشهورة في بني إسرائيل، فتحدث بها القِبْط فيما بينهم، ووصلت إلى فرعون، فأمر عند ذلك بقتل أبناء بني إسرائيل حذرًا من وجود هذا الغلام، فجعل فرعون رجالاً وقوابل يدورون على الحبالى، ويعلمون ميقات وضعهن، فلا تلد امرأة ذكرًا إلا ذبحه أولئك الذابحون من ساعته.
هكذا إذًا بلغ فرعون غاية الجبروت والطغيان، كفر بالله وتطاول عليه، وظن ملك الأرض بين يديه، وأراد أن يتحكم في أحداث المستقبل ويرسم صورته كما يريد هو.
ونظر الرعاع الضعفة إلى هذا الملك وهذا الجبروت، نظروا إلى هذه الأموال المكدسة والجيوش المجيشة والعدة والعتاد، فآمنوا أن فرعون إله عصرِهم وكبير أمرهم، فانساقوا له طائعين، وذلوا بين يديه، وتبرعوا من بعد ذلك بمساعدته فيما طلب وفيما لم يطلب، وقدموا له النصيحة الآثمة كحال المنافقين اليوم الذين يرشدون ويحرضون على العلة إلى الله: "وَقَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِى ٱلأرْضِ وَيَذَرَكَ وَءالِهَتَكَ" [الأعراف:127].
موسى يربيه فرعون:
فأي شيء كان بعد ذلك كله؟! وهل استطاع فرعون المتجبر أن يحمي نفسه؟! وهل وجد اللائذون به ملاذًا حين جاء أمر الله؟! لا والله، لقد أراد الله أن يذل فرعون بأعجب إذلال وأغربه، وحوّل المعركة إلى بيته هو، ونشأ موسى عليه السلام الذي أبطل باطل فرعون في بيت فرعون، وكانت آية من آيات الله وقف عندها التاريخ طويلاً.
لقد ولدت أم موسى وليدها، وخافت عليه بطش فرعون، فكان أمانه في أخوف مكان، وكانت سلامته من الذبح في بيت ذابحه، وشاء الله أن يغذّي فرعون بيديه من يكون على يديه زواله، ولا راد لما أراد الله، "وَقَالَتِ ٱمْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لّى وَلَكَ لاَ تَقْتُلُوهُ" [القصص:9].
يقدر الطاغوت شيئًا ويقدّر الله غيره، والله يريد غير ما يريد فرعون، وإرادة الله وقدرته تتحدّى بطريقة مكشوفة فرعون وهامان وجنودهما، إنهم ليتّبعون الذكور من بني إسرائيل خوفًا على ملكهم، وها هي إرادة الله تلقي في أيديهم بطفل، وأي طفل؟! إنه الطفل الذي على يديه هلاكهم أجمعين، ها هي ذي تلقيه في أيديهم مجردًا من كل قوة، ومن كل حيلة، عاجزًا عن نفسه، ها هي ذي تقتحم به على فرعون حصنه. يا فرعون، موسى لن يكون مرباه إلا في دارك وعلى فراشك، ولن يغذَّى إلا بطعامك وشرابك في منزلك، وأنت الذي تتبناه وتربيه وتتعهّده، ولا تطّلع على سر معناه، وأنت تقدم له مبررات نقمته بظلمك بني قومه، لتعلم أن رب السموات هو الفعال لما يريد.
كن عن همومك معرضا***** وكل الامر الى القضا
وابشر بخير عاجل ****** تنسى به ما قد مضى
فلربما وسع المضيق ****** وربما ضاق الفضا
ولرب امر مغضب ****** لك في عواقبه رضا
الله يفعل مايشاء ***** فلاتكن متعرضا
لقد اقتحمت إرادة الله على فرعون قلب امرأته بعدما اقتحمت به عليه حصنه، لقد حمته بالمحبة لا بالسلاح ولا بالجاه ولا بالمال، حمته بالحب الحاني في قلب امرأة، وتحدت به قسوة فرعون وغلظته وحرصه وحذره، وقالت المرأة: "عَسَىٰ أَن يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا" [القصص:9]، فقال فرعون: أمّا لكِ فنعم، وأمّا لي فلا. والبلاء موكَّل بالمنطق، وكان ما كان فهداها الله به، وأهلكه على يديه.
موسى يقوم بواجب الدعوة إلى الله
وقام موسى عليه السلام بواجب الدعوة والبلاغ، واهتدى الآلاف من قوم فرعون، بل اهتدت زوجه أقرب الناس إليه، وأصر هو وطغمته ومن مالأه على كبريائه وجبروته، وتحدى موسى، وبدأت الحرب بداية إعلامية: "أَن يُبَدّلَ دِينَكُـمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِى ٱلأرْضِ ٱلْفَسَادَ" [غافر:26]، "إِنْ هَـٰذٰنِ لَسَاحِرٰنِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ مّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ ٱلْمُثْلَىٰ" [طه:63]، ويا سبحان الله! في عشية وضحاها تحوّل فرعون عالمًا بالدين، يقرّر ما هو الصلاح وما هو الفساد، ويفرق بين دعاة الهدى ودعاة السحر والتضليل.
ثم بدأت حرب التهديد "ذَرُونِى أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ" [غافر:26]، وفزع أقوام وظنوا النجاة في جند فرعون وجيشه، فقالوا بأعلى أصواتهم: "بِعِزَّةِ فِرْعَونَ إِنَّا لَنَحْنُ ٱلْغَـٰلِبُونَ" [الشعراء:44]. فإلى أي مدى مضت المواجهة بين موسى عليه السلام وبين فرعون المتجبر الطاغي؟!
لقد سلط الله عليه أضعف جنده، سلط عليه جندًا ضعيفًا يستكثر عليها هذا الجيش الجرار، سلط عليه جرادًا وقملاً وضفادع ودمًا، لتنقلب كل موازين فرعون فلا يدري ماذا يفعل.
عن سعيد بن جبير قال: لما أتى موسى عليه السلام فرعون قال له: أرسل معي بني إسرائيل، فأرسل الله عليه المطر فصب عليهم شيئًا خافوا منه، فقالوا لموسى: ادعُ لنا ربك يكشف عنا المطر فنؤمن بك، فدعا ربه فلم يؤمنوا، فأنبت لهم في تلك السنة شيئًا لم ينبته من قبل من الزرع والثمر والكلأ، فقالوا: هذا ما كنا نتمنى، فأرسل الله عليهم الجراد فسلطه على الكلأ، فلما رأوا أثره عرفوا أنه لا يبقى، فقالوا: يا موسى، ادعُ لنا ربك ليكشف عنا الجراد، فنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل، فدعا ربه، فكشف عنهم الجراد فلم يؤمنوا، ولم يرسلوا معه بني إسرائيل، فدرسوا الحَبَّ وأحرزوه في البيوت، وقالوا: قد أحرزنا، فأرسل الله عليهم القمل وهو السوس، فكان الرجل يخرج عشرة أجرِبة إلى الرَّحى فلا يرد منها ثلاثة أقفِزَة، فقالوا لموسى: ادعُ لنا ربك يكشف عنا القمل فنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل، فدعا ربه فكشف عنهم، فأبوا أن يرسلوا معه بني إسرائيل، فبينما هو جالس عند فرعون إذ سمع نقيق ضفدع، فقال لفرعون: ما تلقى أنت وقومك من هذا؟ فقال فرعون: وما عسى أن يكون كيد هذا، فما أمسوا حتى كان الرجل يجلس إلى ذقنه الضفادع، ويهم أن يتكلم فتثب الضفدعة في فيه! فرجوا موسى فدعا ربه فكشف عنهم الضفادع ولكنهم لم يؤمنوا، فسلك عليهم الدم، فكل ما في أوعيتهم من ماء صار دمًا عبيطًا. قال ابن إسحاق: فتابع الله عليهم الآيات وأخذهم بالسنين فلم يؤمنوا.
لكل فرعون نهاية :
وتأمل هذه الآيات هي من سورة الشعراء والتى تبين لنا نهاية الطغيان , وأن لكل ظالم نهاية ، يقول الله عز وجل: "وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِى إِنَّكُم مّتَّبِعُونَ *فَأَرْسَلَ فِرْعَونُ فِى ٱلْمَدَائِنِ حَـٰشِرِينَ *إِنَّ هَـؤُلاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ *وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ *وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَـٰذِرُونَ *فَأَخْرَجْنَـٰهُمْ مّن جَنَّـٰتٍ وَعُيُونٍ *وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ *كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَـٰهَا بَنِى إِسْرٰءيلَ *فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ * فَلَمَّا تَرَاءا ٱلْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَـٰبُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ *قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِىَ رَبّى سَيَهْدِينِ *فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَى أَنِ ٱضْرِب بّعَصَاكَ ٱلْبَحْرَ فَٱنفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَٱلطَّوْدِ ٱلْعَظِيمِ *وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ ٱلاْخَرِينَ *وَأَنجَيْنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ *ثُمَّ أَغْرَقْنَا ٱلاْخَرِينَ *إِنَّ فِى ذَلِكَ لايَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ *وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ* "[الشعراء:52-68].
خرج موسى عليه السلام بقومه ليلاً، متوجّهاً إلى الأرض المقدّسة، خرجوا مستخفين من فرعون وقومه.
فما كان من فرعون إلا أن جيّش الجيوش، وأعلن حالة الطوارئ، وأرسل في مستعمراته ومدائنه حاشرين؛ ليجمعوا له الجنود لمطاردة موسى وقومه.ولما أمر فرعون بالتعبئة العامة علل أمره بأن السبب هو موسى ومن معه، و وصفهم بأنهم: "لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ" أي: جماعات متشرذمة، لا أصل لهم ولا وطن، وهم ليسوا كثيرين؛ ولا يُشكّلون أغلبية، بل هم قليلون، والناس ليسوا معهم ولا يؤيدونهم! هكذا أغرى فرعون قومه بالخروج.
ولكن فرعون وقع في تناقض ظاهر، وهو لا يدري، فبينما وصف بني إسرائيل بأنهم شرذمة قليلون، وصفهم بأنهم غائظون له ولملئه: "وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ"، والمعنى: أن موسى ومن معه أغاظ فرعون وملأه؛ لأنهم خرجوا على نظامهم وحكمهم واستعبادهم!! فصاروا يشكّلون خطراً على مصالحهم.
وهذا اعتراف من فرعون بأن موسى وقومه خطيرون، مزعجون له ولنظامه، فإذا كانوا شرذمة قليلين، لا وزن لهم ولا قيمة، فكيف يكونون غائظين لدولة عظيمة كبيرة؟!!
وزاد فرعون في هجومه على موسى ومن معه، وفي تحذير قومه منهم، فقال: "وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَـٰذِرُونَ، أي: نحن جميعا بأجهزتنا واستخباراتنا متيقظون لهم، نرصد جميع تحركاتهم!! وهذا دليل ثان على خيبة فرعون وجنوده وأجهزته.
خرج فرعون بجنوده الذين حشرهم من مختلف المدن، ولحق بموسى ومن معه، وكان خروج فرعون بجنوده الخروج الأخير الذي لا عودة بعده، لذلك علّقت آيات القرآن على خروجهم، فقال تعالى: "فَأَخْرَجْنَـٰهُمْ مّن جَنَّـٰتٍ وَعُيُونٍ *وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ"فالله الذي أخرجهم لهلاكهم ودمارهم؛ في الوقت الذي يظن الناس فيه أنهم خرجوا للقضاء على عباد الله الصالحين. فهم يمكرون بالمؤمنين، ولكن الله فوقهم أسرع مكرا، وهو أسرع الحاسبين.
لقد حان وقت انتقام العزيز الحكيم منهم؛ فأخرجهم من جناتهم، وبساتينهم، وقصورهم، أخرجهم من الخير والرفاه الذي كانوا فيها، خرجوا من النعيم إلى الجحيم.
سار موسى بأتباعه ليلاً، متوجهاً إلى المشرق، إلى البحر الأحمر، حتى يخرج من مصر إلى الأرض المقدسة.
ولما أشرقت شمس الصباح اقترب فرعون وجنوده من المؤمنين، قال تعالى: "فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ"، أي: وصلوا إليهم عند شروق الشمس، ولما أشرقت الشمس كان موسى على الشاطئ، فوقفوا هناك؛ لأنهم ليس معهم سفن ولا قوارب.
فنظر بنو إسرائيل خلفهم، فرأوا منظراً في غاية الهول!! رأوا فرعون وجنوده مقبلين نحوهم، بعدّتهم وعتادهم. ماذا يفعل بنو إسرائيل أمام هذا الجيش العظيم المدجج؟
وبدأ الخوف يسري في قلوب بني إسرائيل، وسيطر علهم الفزع، ها هو فرعون وجنوده سينتقمون منا!! فأطلقوا صيحة مِلؤها الرعب، وقالوا: "إِنَّا لَمُدْرَكُونَ": لقد أدركونا، والآن ستكون المجزرة والإبادة علينا! هذه هي الضربة القاضية على الإسلام وأهله، لا بقاء لنا!! ففي حساب البشر ـ المادي ـ ليس أمامهم فرصة للنجاة، فكيف ينجون والبحر من أمامهم، والعدو من خلفهم!! فكل الحسابات البشرية تقول: إنهم مدركون، وأنه قد انتهى أمرهم!!
ولكن .. للإيمان والتوكل على الله حساب آخر، يعرفه نبيهم موسى عليه السلام، ولهذا طمأنهم وأزال خوفهم، فقال: "كَلاَّ إِنَّ مَعِىَ رَبّى سَيَهْدِينِ". ثم قدّم لهم حقيقة قاطعة، علل بها سبب طمأنينته ويقينه؛ أن الله معه، وأنه سيهديه إلى التصرف المناسب، وسيخلّصه من أعدائه.
"كَلاَّ إِنَّ مَعِىَ رَبّى سَيَهْدِينِ" ربي معي بعلمه وحفظه وعنايته، أبدا لن يتخلّى عني. وهذا ما يجب أن يكون عليه المسلم؛ أن تقوى ثقته بربه وبنصره، فالقوة والاستعداد المادي والثقة بالعدد والعُدّة بدون تعلّقٍ بالله لا يغني شيئا.
أيها المسلم، قل وأنت تعيش في هذا الزمن الصعب: "كَلاَّ إِنَّ مَعِىَ رَبّى سَيَهْدِينِ"، إن الله لا يتخلّى عن أوليائه؛ كيف وهم يقاتلون في سبيله، ولِنُصرة دينه، يُقاتلون أعتى أمم الأرض كفراً وفجوراً وظلماً، فنصر الله لهم أكيد، وعون الله لهم قريب، "وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ ٱلْمُؤْمِنينَ" [الروم:47].
عباد الله، وقف بنو إسرائيل على شاطئ البحر، لا يملكون وسيلة مادية للنجاة من فرعون وجيشه، وهنا أظهر الله آيات عجيبة له، نتج عنها نجاة المؤمنين وهلاك الكافرين، آيات ربانية تدل على أن الله مع أوليائه، يحفظهم ويدفع عنهم.
أمر الله نبيه موسى أن يضرب بعصاه البحر: "فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَى أَنِ ٱضْرِب بّعَصَاكَ ٱلْبَحْرَ" [الشعراء:63]. ونفّذ موسى أمر ربه، وضرب البحر العظيم بعصا، وماذا عسى أن تفعل عصا من خشب في بحر عظيم؟ ولكنه أمر الله الذي لا يتخلّى عن أوليائه، فإذا بالبحر يُنفّذ أمر الله فينفلق فِلقتين؛ واحدةً عن اليمين والأخرى عن الشمال، وبنو إسرائيل ينظرون إلى ماء البحر، فإذا به واقف عن اليمين والشمال كالجبل العالي: "فَٱنفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَٱلطَّوْدِ ٱلْعَظِيمِ" [الشعراء:63]، من الذي غيّر خصائص ماء البحر؟ مع أن الماء من خصائصه الانسياب والتداخل؟ إنه الله جل جلاله الذي جعل الخصائص في الأشياء، وهو الذي يسلبها منها، فالنار تُحرق، والماء يُغرق، والسكين تذبح، ولكنّ الله يوقف هذه السنن لتحقيق أمره وإنفاذ إرادته.
وهناك معجزة أخرى ذكرها الله في قوله: "وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِى فَٱضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِى ٱلْبَحْرِ يَبَساً لاَّ تَخَافُ دَرَكاً وَلاَ تَخْشَىٰ" [طه:77]، لم يشق الله جل جلاله البحر فقط، بل مهّد قاع البحر وجعله يابسا صلبا حتى يمشي عليه موسى ومن معه. ونحن نعلم أن قاع البحر في الغالب ليّن فيه طين، لا يُمشى عليه بسهولة، فتجفيف قاع البحر من الماء والطين؛ وتحويله إلى أرض صلبة؛ آيةٌ أخرى من آيات العزيز الحكيم.وصار البحر اثني عشر طريقاً لكل سبط طريق، وأمر الله الريح فنشفت أرضه، وهذا هو قوله تعالى: "فَٱضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِى ٱلْبَحْرِ يَبَساً" [طه:88]، وأصبح الماء بين الطرق كهيئة النوافذ ليرى كل قوم غيرهم فيطمئنوا عليهم.
أمر الله موسى أن يعبر بأتباعه المؤمنين الطريق الجديد في قاع البحر، فدخله موسى بمن معه، وعبروا الطريق الآمن اليَبس وهم ينظرون الماء كالجبال عن يمينهم وشمالهم، ووصلوا إلى الضفة الأخرى بأمان وسلام، ونجوا من فرعون وملئه.
لماذا لم يحمل الله المؤمنين فى لمح البصر بدلا من ذلك؟
نجّى الله موسى ومن معه بعد هذا الرحلة الشاقة، والعذاب الطويل، وكان بمقدوره جل في عُلاه أن يحمل المؤمنين في لمح البصر، ويذهب بهم إلى الأرض المقدسة، ولكن لا بد للتمكين في الأرض من جسر من التعب، لا بد من التضحيات، لا بد من الدماء والأشلاء، لا بد من العمل لهذا الدين؛ حتى يأتيَ نصر الله الذي وعد.
وكان فرعون وجنده ينظرون إليهم، في هذا المشهد العجيب المثير، وعجِب القوم ودُهشوا، ولكنّ الله صرف قلوبهم عن الإيمان بعد هذه الآيات العظيمة؛ بسبب ماضيهم الأسود في الكفر والعناد والاستكبار في الأرض.
لقد عجب فرعون وجنوده من هذا المنظر العظيم، واعتبروا هذه المعجزة سحراً من موسى، ولكن الله أراد أن يدخل فرعون بجنوده إلى هلاكهم. والناظر يقول: أنه لا يمكن لفرعون أن يجازف ويدخل بجنوده في هذا الطريق المخيف، ولكن الله هو الذي أخرجهم، وهو الذي طمس على قلوبهم؛ ليذوقوا العذاب الأليم الذي طالما أذاقوه الأبرياء، لذا قال الحق سبحانه: "وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ ٱلاْخَرِينَ" [الشعراء:64]، أي: قربنا فرعون وجنوده من البحر ليدخلوا إلى مصارعهم.
ونظر موسى خلفه، فرأى الطريق اليَبس ما زال مفتوحاً، ورأى فرعون وجنوده واقفين على الشاطئ، ينظرون إلى الطريق، فخشي موسى أن يدخل فرعون وجنوده؛ فيلحقوا بهم، فأراد إغلاق الطريق أمامهم؛ بضربه بالعصا، ولكن الله نهاه عن ذلك، لحكمة يريدها سبحانه؛ فقال لموسى: "وَٱتْرُكِ ٱلْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ" [الدخان:24]، أي: اترك البحر على حاله ساكنا؛ حتى يتشجّع فرعون وجنوده ويدخلوا ذلك الطريق؛ وبشّره بغرقهم.
فأصدر فرعون أمره العام لجنوده بالدخول واللحاق بموسى وقومه، فدخلوا جميعاً، فلما وصلوا إلى وسط الطريق، يسيرون في قاع البحر، والماء عن يمينهم وشمالهم، أمر الله البحر أن ينطبق عليهم، فنفّذ البحر أمر ربه، وما هي إلا لحظات حتى صار فرعون وجنوده تحت الماء، فماتوا غرقاً.
وجاوز بنو إسرائيل، فلما خرج آخرهم كان فرعون قد انتهى إلى شاطئ البحر، فوقف متردداً أيعبر خلفهم؟ أم يرجع وقد كُفيهم؟
فجاء جبريل عليه السلام على فرس فمرَّ إلى جانب حصان فرعون، فحمحم إليها، واقتحم جبريل، فاقتحم فرعون وراءه، وميكائيل في ساقتهم، لا يترك منهم أحداً إلا أقحمه.
حتى إذا ادّاركوا في البحر جميعاً، جاءهم الموج من كل مكان، وجعل يرفعهم ويخفضهم، وتراكمت الأمواج فوق فرعون، وجاءته سكرة الموت فنادى: "لا إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِى ءامَنَتْ بِهِ بَنواْ إِسْرٰءيلَ وَأَنَاْ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ" [يونس:90]، فقيل له: "ءالئَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ * فَٱلْيَوْمَ نُنَجّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ ءايَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مّنَ ٱلنَّاسِ عَنْ ءايَـٰتِنَا لَغَـٰفِلُونَ" [يونس:91، 92].
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله: ((قال جبريل: يا محمد لو رأيتني وأنا آخذ من حَال البحر فأدسّه في فيه، مخافة أن تدركه الرحمة)).
وهكذا نجّى الله موسى والمسلمين، وأغرق فرعون والكافرين: "وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبّكَ ٱلْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِى إِسْرءيلَ بِمَا صَبَرُواْ" [الأعراف:137]، "إِنَّ فِي ذَلِكَ لايَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ" [الشعراء:8، 9].
من كان يصدق قبل هذا أن فرعون وجنوده يهلكون ـ جميعا ـ بهذه الطريقة التي لا دخل للبشر فيها، إنه أمر الله وقدرته التي لا حدّ لها، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
قال الله عن فرعون وجنوده ـ وهكذا نهاية كل ظالم ـ: "وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ *فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ" [القصص39، 40].
ولم يبقَ من فرعون إلا جسده شاهدًا على قدرة الله، "فَٱلْيَوْمَ نُنَجّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ ءايَةً" [يونس:92].
ورجع أتباع فرعون في الدنيا تبعًا له في المآل: "يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ فَأَوْرَدَهُمُ ٱلنَّارَ [هود:98]. لما كانوا تبعًا لفرعون في هذا الأمر يمشون خلفه، ويتبعون خطواته الضالة بلا تدبر ولا تفكر ودون أن يكون لهم رأي، لما كانوا كذلك فإن السياق يقرر أن فرعون سيقدمهم يوم القيامة ويكونون له تبعًا.
وجعل الله العاقبة للمؤمنين: "وَأَوْرَثْنَا ٱلْقَوْمَ ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَـٰرِقَ ٱلأرْضِ وَمَغَـٰرِبَهَا ٱلَّتِى بَارَكْنَا فِيهَا" [الأعراف:137]، "وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ فِى ٱلأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ ٱلْوَارِثِينَ *وَنُمَكّنَ لَهُمْ فِى ٱلأرْضِ وَنُرِىَ فِرْعَوْنَ وَهَـٰمَـٰنَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَحْذَرونَ" [القصص:5، 6].
أين الظالمون وأين التابعون لهم فى الغى بل أين فرعون وهامان
أين من دوخوا الدنيا بسطوتهم ؟! وذكرهـم فى الورى ظلم وطغيان
هل أبقى الموت ذا عــز لعزته أونجى منـه بالســلطان انسان
لا والذى خلق الأكوان مـن عدم الكل يفنى فـلا إنـس ولا جـان
الخطبة الثانية
صيام عاشوراء :
وقع هذا الحدث العظيم وتحقق هذا النصر المبين في اليوم العاشر من هذا الشهر الكريم شهر الله المحرم، فقد روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم عاشوراء فقال: ((ما هذا اليوم الذي تصومونه؟)) قالوا: هذا يوم عظيم، أنجى الله فيه موسى وقومه، وغرَّق فرعون وقومه، فصامه موسى شكرًا، فنحن نصومه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فنحن أحق وأولى بموسى منكم))، فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه. وقد كان صيام يوم عاشوراء واجبًا قبل أن يفرض صيام رمضان، فلما فرض صيام رمضان أصبح صيام عاشوراء سنة مؤكدة.
تقول حفصة رضي الله عنها: أربع لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعهن: صيام عاشوراء، والعشر، وثلاثة أيام من كل شهر، وركعتان قبل الفجر. رواه أحمد والنسائي وصححه الألباني. وسئل ابن عباس رضي الله عنهما عن صيام عاشوراء فقال: ما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صام يومًا يطلب فضله على الأيام إلا هذا اليوم. متفق عليه.
وبين النبي عليه الصلاة والسلام أن صيام هذا اليوم يكفر ذنوب سنة كاملة فقال: ((صيام عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله)) رواه مسلم. وروى مسلم أيضًا عن ابن عباس قال: حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا: يا رسول الله، إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى! فقال: ((فإذا كان العام القابل إن شاء الله صمت التاسع))، فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي صحيح مسلم أيضًا: ((خالفوا اليهود، صوموا يومًا قبله أو يومًا بعده)).
قال ابن القيم: "فمراتب صومه ثلاث، أكملها أن يصام قبله يوم وبعده يوم، ويلي ذلك أن يصام التاسع والعاشر، وعليه أكثر الأحاديث، ويلي ذلك إفراد العاشر وحده بالصوم". وبناءً عليه فإن إفراد العاشر وحده بالصوم جائز، وبه يحصل الأجر المذكور في تلك الأحاديث، والأكمل صيام التاسع والعاشر، أو العاشر والحادي عشر، حتى تحصل المخالفة لأهل الكتاب، وإن صمت يومًا قبله ويومًا بعده فهذا أحسن وأتم، حتى تستيقن صيام اليوم العاشر، خصوصًا إذا كان مشكوكًا في وقت دخول الشهر، ولأن السنة صيام ثلاثة أيام من كل شهر، كما أن الصيام في شهر المحرم له خصوصية ومزية على ما سواه، فقد روى الإمام مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل)). وإن وافق عاشوراء يوم الجمعة أو السبت فلا بأس بصيامه في أحدهما؛ لأن النهي عن إفراد الجمعة أو السبت بالصيام إنما هو لمن صام من أجل أنه الجمعة أو السبت، أما إذا كان للصيام في أحدهما سبب شرعي يقتضيه كأن يوافق يوم عاشوراء أو يوم عرفة فلا حرج في الصيام حينئذ.
اللهم اغفر لنا وارحمنا
اللهم عليك بأعدئنا اليهودَ والصليبيين.......
- اللهم أحصهم عددا ........
- اللهم لاتدع لهم طائرة فى السماء إلا أسقطتها ,ولا سفينة فى البحر إلا أغرقتها ,ولا دبابة على الأرض إلا دمرتها
- اللهم لا ترفع لهم راية ولا تحقق لهم غاية واجعلهم لمن خلفهم عبرة واّية اللهم سلم المؤمنين من أسلحتهم
- اللهم شتت شملهم اللهم فرق حزبهم اللهم سلم المسلمين من أسلحتهم
- اللهم انصر المجاهدين فى كل مكان , اللهم انصر المجاهدين على أرض الرباط فلسطين وفى العراق وأفغانستان. اّمين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق