وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى 2
شعارُ الصالحين ، ومبتَغى الطالبين ، وروضةُ المشتاقين ، وأملُ المصلحين ،أن يرضى الله عنهم، هذا هو المنى وذاك هو المبتَغى " أملى أن يرضى الله عنى".
وماذا يفوتُك لو نِلت رضاء ربك ؟! وماذا يفيدك لو فاتك رضاء ربك ؟!!
هذه هى الحقيقة وذاك هو ماينبغى أن يكون عليه حال الصالحين المصلحين ، وهو الذي أشرنا إليه فى الجزء الأول من هذا المقال، وأتساءل مع حضراتكم الاّن : كيف تعرف أنك من المسارعين للخيرات؟ وكيف تدرك أنك من العَجْلى لإرضاء ربك ؟
** أقول لك أيها الأخ الكريم، إن كان ما سيُعرضُ عليك من خصال هو حالك فأنت من المسارعين للخيرات،والراغبين فى تحقيق رضا رب الأرض والسموات وأظنك كذلك بفضل الله وتوفيقه وإلا فراجع نفسك لعلك تنال الرضا:
1- أن تجاهد نفسك و تهتم بقلبك:
قال تعالى : ((وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ))
وقال الشهيد سيد قطب في الظلال :((الذين جاهدوا في الله ليصلوا إليه ، ويتصلوا به . الذين احتملوا في الطريق إليه ما احتملوا ، فلم ينكصوا ولم ييأسوا . الذي صبروا على فتنة النفس ، وعلى فتنة الناس . الذي حملوا أعباءهم ، وساروا في ذلك الطريق الطويل الشاق الغريب .. أولئك لن يتركهم الله وحدهم ، ولن يُضيع إيمانهم ، ولن ينسى جهادهم . إنه سينظر إلى محاولتهم الوصول فيأخذ بأيديهم ، وسينظر إلى صبرهم وإحسانهم فيجازيهم خير الجزاء)).
2 ـ أن تكون ذا همة عالية:
قلب عالي الهمة : قلب لا يعرف القيود والقضبان ،لا تأسره الأرض كلها وما عليها .
وقلب عالي الهمة : لا يصاد بالطعم فهو متطلع يقظ لا يعرف الغفلة ولا يحتال عليه كاذب ولا يصيده شيطان.
فالعامة تقول : قيمة كل امرئ ما يحسن . والخاصة تقول : قيمة كل امرئ ما يطلب ؛ أي أن قيمة الرجل هِمّته ومطلبه.
فهناك هِمّة تدور حول الأنْتَان واللَّمَمِ : ذِكْرُ الله حبْسُ صاحبِها ومَوْتُه، وذِكْرُ الناس فاكهته وقوته ، يُنادَى إلى الله عز وجل والدارِ الآخرة من مكان قريب فلا يُجيب النداء ، الدنيا تصمّه عما سوى الباطل وتُعميه.
وهِمّة أخرى : ارتبطت بمن فوق العرش جل وعلا إرادة وطلباً ، وشوقاً ومحبة ، وإخباتاً وإنابة ، لا مُسْتَرَاح لها إلا تحت
شجرة طوبى ، ولا قَرار لها إلا في يوم المزيد.
إنّ صاحب الدعوة ، حامل الأمانة ومبَلِّغ الرسالة يكون قدمه على الثرى وهمته في الثريا، يكون ذو عزم أكيد، وبأس شديد في دين الله، فلا يلين ولا يحيد، وهذا ما كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم، وتأمل هذا :
- عند أحمد في المسند عن ربيعة بن كعب رضي الله عنه قال: كنت أخدم رسول صلى الله عليه وسلم وأقوم له في حوائجه نهاري أجمع، حتى يصلي رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء الآخرة، فأجلس ببابه! إذا دخل بيته، أقول: لعلها أن تحدث لرسول الله صلى الله عليه وسلم حاجة، فما أزال أسمعه يقول: سبحان الله! سبحان الله! سبحان الله! وبحمده حتى أمل، فأرجع أوتغلبني عيني- فأرقد، قال: فقال لي يوماً لما يرى من خفتي له وخدمتي إياه: " سلني يا ربيعة أعطك " قال فقلت: أنظر في أمري يا رسول الله، ثم أعلمك ذلك؟ قال: ففكرت في نفسي فعرفت أن الدنيا منقطعة زائلة، وأن لي فيها رزقاً سيكفيني ويأتيني، قال فقلت: اسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لآخرتي فإنه من الله - عز وجل – بالمنزل الذي هو به، قال: فجئت فقال: " ما فعلت يا ربيعة ؟ " قال فقلت: نعم يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسألك أن تشفع لي إلى ربك فيعتقني من النار، قال فقال: " من أمرك بهذا يا ربيعة ؟ " قال: فقلت: لا والله الذي بعثك بالحق ما أمرني به أحد ولكنك لما قلت: سلني أعطك وكنت من الله بالمنزل الذي أنت به نظرت في أمري وعرفت أن الدنيا منقطعة وزائلة، وأن لي فيها رزقاً سيأتيني، فقلت: أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لآخرتي، قال: فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلاً، ثم قال لي: " إني فاعل، فأعني على نفسك بكثرة السجود "
هذا هو ربيعة الأمس فأين ربيعة اليوم؟!!
- وسأل رجل بلالاً مولى أبي بكر عنهما : فقال له : من سَبَقَ؟ قال : سبق المقربون ، قال : إنما أسألك عن الخيل ؟ قال : وأنا أجيبك عن الخير.
3 ـ أن تسارع بالرجوع إذا مافَتَرْتَ :
لكل إنسان فَتْره ولكن هناك من تطول فَتْرته وربما كانت إلى معصية ، وأما المسارع إلى الخيرات فما إن يفتر حتى يرجع إلى نشاطه السابق ، فلا يقدر على الابتعاد عن ربه كالسمك لا يقدر على الابتعاد عن الماء .
إن رجل لدعوة لا يملك نفسه حتى يسوغ له أن يمنح نفسه إجازة وإنما هو ((وقف لله تعالى)).واعلم أخي ((أن الراحة للرجال غفلة)) كما يقول الفاروق ، وأتعب الناس من جلّت مطالبه.
يقول ابن القيم : لا بد من سِنَةِ الغفلة ورقاد الغفلة ، ولكن كن خفيف النوم.
وانتبه من رقدة الغفــ ــلة فالعمر قليل
واطّرح سوف وحـتى فهما داء دخيــل
4 ـ أن تسارع بالتوبة إذا ماعصيت :
كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون ، ولا معصوم بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن المسارع إلى الخيرات إذا عصى الله تذكر فخاف منه سبحانه وأقلع وأناب إلى رب الأرباب .
اعف عني وأقلني عثرتي *** ياعتادي لملمات الزمن
لا تعاقبني فقد عاقبني ندم *** أقلق روحي في البدن
المتعبد يبكي على الفتور بكاء الثكلى بين القبور ويندب زمان الوصال ويتأسف على تغير الحال ،والخائف ينادي : ليت شعري ما الذي أسقطني من عينك ، أقلت هذا فراق بيني وبينك .
5 ـ أن تجتهد في الطاعات :
وقال تعالى : (( يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ* قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً* نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً*أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً* إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً* إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءاً وَأَقْوَمُ قِيلاً* إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحاً طَوِيلاً )) .
إنها دعوة السماء ، وكلام الكبير المتعال .. قم .. قم للأمر العظيم الذي ينتظرك والعبء الثقيل المُهيَّأ لك .. قم للجهد والنصب ، والكدِّ والتعب، نعم قم فقد مضى وقت النوم والراحة .. قم فتهيأ لهذا الأمر واستعدَّ.
قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم :((قم)) ، فقام وظل قائماً بعدها أكثر من عشرين عاماً! لم يسترح ، ولم يسكن ، ولم يعش لنفسه ولا لأهله ، قام وظلَّ قائماً على دعوة الله ، يحمل على عاتقه العبء الثقيل الباهظ ، عبء الأمانة الكبرى في هذه الأرض ، عبء البشرية كلها ، وعبء العقيدة كلها ، وعبء الكفاح والجهاد في ميادين شتى.
إن الذي يعيش لنفسه قد يعيش مستريحاً، ولكنه يعيش صغيراً ويموت صغيراً، فأما الكبير الذي يحمل هذا العبء الكبير … فما له والنوم؟ وما له والراحة؟ ما له والفراش الدافئ، والعيش الهادئ والمتاع المريح؟! ولقد عرف رسولنا صلى الله عليه وسلم حقيقة الأمر وقدَّره ، فقال لخديجة رضي الله عنها :(( مضى عهد النوم يا خديجة)). أجل! مضى عهد النوم ، وما عاد منذ اليوم إلا السهر والتعب والجهاد الطويل الشاق.
أخي الكريم، ما يحصل بردُ العيش إلا بحرِّ التعب، وما العز إلا تحت ثوب الكد، وعلى قدر الاجتهاد تعلو الرتب، ومن لم تبكِ الدنيا عليه، لم تضحك الآخرة إليه.
فيا أخي المسابق إلى رضا مولاك، إن هممت فبادر، وإن عزمت فثابر، واعلم أنه لا يدرك المفاخر، من رضي بالصف الآخر.، فكم من أناس موتى تحيا القلوب بذكرهم ، وأناس أحياء تموت القلوب برؤيتهم.
لله در القائل :
إن لم تكن للحق أنت فمن يكون ** والناس في محراب لذات الدنايا عاكفون
-- قال تعالى :(( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ )) .
قال ابن كثير : وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ : وهو الفاعل للواجبات والمستحبات التارك للمحرمات والمكروهات وبعض المباحات .
6 ـ أن تعمل وتخشى عدم القبول:
(( إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ *وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ))
قالت عائشة رضي الله عنها : يا رسول الله الذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة : هو الذي يسرق ويزني ويشرب الخمر وهو يخاف الله ؟ قال : ((لا يا بنت الصديق ولكنه الذي يصلي ويصوم ويتصدق وهو يخاف الله عز وجل)) .
7 ـ أن لا تشغلك الدنيا عن الآخرة :
(( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمْ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ))
يمشون نحو بيوت الله إذ سمعوا *** "الله أكبر" في شوق وفي جذل
أرواحهم خشــعت لله في أدب *** قلوبهم من جلال الله في وجل
نجواهم: ربنا جئنــاك طائـعة *** نفوسنا، وعصينا خادع الأمل
هـم الرجـال فلا يلهيهم لـعب *** عن الصلاة، ولا أكذوبة الكسل
هذا هو حال الرجال فى ميدان من ميادين المسارعة " الحرص على صلاة الجماعة" فضلا عن الميادين الأخرى . فأين هؤلاء الرجال اليوم ؟ وماذا يقول بعض دعاةِ اليوم الذين أصبحت تسمع طنطنتهم، وتردد ألسنتهم " الانشغال الحياتي", "ظروفي" ونحو ذالك من كلمات لا تليق بحال الأوفياء الأقوياء. وأقول مهلا أيها الدعاة ثم مهلا ، هل تستطيعون غدا أن تعتذرون بين يدي الله الكبير المتعال بما تعتذرون به اليوم ؟ أظن لا وألف لا!!
8-أن تلازم صحبة الأخيار:
وأظنك بحمد الله قد فزت بهذه الصحبة الطيبة في ظل دعوتنا المباركة، فالزمها وعض عليها بالنواجذ، فإنها لا يدانيها نعمة.ولا تضاهيها مزية ، وشرف لمن انتمى إليها وعمل تحت لوائها.
ويا أخي الحبيب ، انظر إلى ما في قصة أصحاب الكهف ((وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ)) ، ((سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ)).
كلب خطا مع أحبائه خطوات ، فإلى يوم القيامة يتلى (وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ..)) الآية ، فهل ترى أن مسلماً مجاهدا يصحب أحبابه من وقت شبابه إلى وقت مشيبته يردّه الله يوم القيامة خائباً؟!. هذا بكرمه سبحانه لا يكون .
9-أن توفى ببيعتك وتصدق فى وعدك:
إن من صفات أولى السبق الوفاء بالبيعة والصدق فى العهد والوعد والاستمرار على الدرب حتى يتحقق لهم الرضا الذي يأملون ، ألم يقل الله سبحانه {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً }
نعم لقد رضي الله عن المؤمنين حين بايعوا النبي- تحت الشجرة (وهذه هي بيعة الرضوان في "الحديبية") فعلم الله ما في قلوب هؤلاء المؤمنين من الإيمان والصدق والوفاء, فأنزل الله الطمأنينة عليهم وثبَّت قلوبهم, وعوَّضهم عمَّا فاتهم بصلح "الحديبية" فتحًا قريبًا, وهو فتح "خيبر" .
فهل وفيت وصدقت أيها الكريم؟!!هل قمت بحقوق الأركان العشرة وواجباتها عليك !! الله المستعان.
10-أن تغتنم مواسم الخيرات :
نعم إنها منح ربانية يتفضل بها الكريم علينا حين يهبنا مناسبات وذكريات، يريد فيها منا المسارعة إلى الخيرات وقد ندبنا لذلك رسولنا الكريم، فقال: " افعلوا الخير دهركم ، و تعرضوا لنفحات رحمة الله، فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده، وسلوا الله أن يستر عوراتكم، وأن يؤمن روعاتكم"[ المعجم الكبير للطبراني].
فإذا كانت المسارعة بالخيرات محمودة مطلوبة في كل آن وحين وكل مكان فإن حدوث ذلك في الأماكن المفضلة والأزمان الشريفة أكثر فضلا وخيرا وأعظم أجرا.
ومن أماكن الفضل المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى حيث فضلت الصلوات فيها على غيرها بدرجات عظيمة، ولم يشرع شد الرحال إلى مكان من أمكنة العبادة إلا إليها، كما أن من أماكنه الثغور حيث يرابط فيها المجاهدون حفظا لدار الإسلام واستعدادا للجهاد في سبيل الله تعالى هداية للناس وإخراجا لهم من الظلمات إلى النور بإذن ربهم، وقد وردت البشارات العظيمة بما أعد الله للمرابطين في سبيله فقال الرسول الكريم: \"كل ميت يختم على عمله إلا الذي مات مرابطا في سبيل الله فإنه ينمى له عمله إلى يوم القيامة ويأمن فتنة القبر\"( أبو داود والترمذي) وقال: \"من مات مرابطا في سبيل الله أجري عليه أجر عمله الصالح الذي كان يعمل وأجري عليه رزقه وأمن من الفتان وبعثه الله يوم القيامة آمنا من الفزع الأكبر\"[ ابن ماجه]
وكما كان هناك تفضيل للمكان فهناك تفضيل للزمان ومن أزمان الفضل أشهر الحج وشهر رمضان، ومن أزمانه أيضا يوم الجمعة الذي هو خير يوم طلعت عليه الشمس، وجوف الليل الآخر.
وبما أننا فى أيام العشر من ذي الحجة فهذه فرصتنا لكي نحقق فيها السباق ونحقق دعوة الحبيب صلى الله عليه وسلم لنا : (ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام ـ يعني أيام العشر ـ قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء) [رواه البخاري].
أسأل الله فى علاه أن يجعلنا من السباقين لفعل الخيرات والمسارعين لنيل الرحمات والعَجْلَى إلى تحصيل البركات ....اللهم آمين.
شعارُ الصالحين ، ومبتَغى الطالبين ، وروضةُ المشتاقين ، وأملُ المصلحين ،أن يرضى الله عنهم، هذا هو المنى وذاك هو المبتَغى " أملى أن يرضى الله عنى".
وماذا يفوتُك لو نِلت رضاء ربك ؟! وماذا يفيدك لو فاتك رضاء ربك ؟!!
هذه هى الحقيقة وذاك هو ماينبغى أن يكون عليه حال الصالحين المصلحين ، وهو الذي أشرنا إليه فى الجزء الأول من هذا المقال، وأتساءل مع حضراتكم الاّن : كيف تعرف أنك من المسارعين للخيرات؟ وكيف تدرك أنك من العَجْلى لإرضاء ربك ؟
** أقول لك أيها الأخ الكريم، إن كان ما سيُعرضُ عليك من خصال هو حالك فأنت من المسارعين للخيرات،والراغبين فى تحقيق رضا رب الأرض والسموات وأظنك كذلك بفضل الله وتوفيقه وإلا فراجع نفسك لعلك تنال الرضا:
1- أن تجاهد نفسك و تهتم بقلبك:
قال تعالى : ((وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ))
وقال الشهيد سيد قطب في الظلال :((الذين جاهدوا في الله ليصلوا إليه ، ويتصلوا به . الذين احتملوا في الطريق إليه ما احتملوا ، فلم ينكصوا ولم ييأسوا . الذي صبروا على فتنة النفس ، وعلى فتنة الناس . الذي حملوا أعباءهم ، وساروا في ذلك الطريق الطويل الشاق الغريب .. أولئك لن يتركهم الله وحدهم ، ولن يُضيع إيمانهم ، ولن ينسى جهادهم . إنه سينظر إلى محاولتهم الوصول فيأخذ بأيديهم ، وسينظر إلى صبرهم وإحسانهم فيجازيهم خير الجزاء)).
2 ـ أن تكون ذا همة عالية:
قلب عالي الهمة : قلب لا يعرف القيود والقضبان ،لا تأسره الأرض كلها وما عليها .
وقلب عالي الهمة : لا يصاد بالطعم فهو متطلع يقظ لا يعرف الغفلة ولا يحتال عليه كاذب ولا يصيده شيطان.
فالعامة تقول : قيمة كل امرئ ما يحسن . والخاصة تقول : قيمة كل امرئ ما يطلب ؛ أي أن قيمة الرجل هِمّته ومطلبه.
فهناك هِمّة تدور حول الأنْتَان واللَّمَمِ : ذِكْرُ الله حبْسُ صاحبِها ومَوْتُه، وذِكْرُ الناس فاكهته وقوته ، يُنادَى إلى الله عز وجل والدارِ الآخرة من مكان قريب فلا يُجيب النداء ، الدنيا تصمّه عما سوى الباطل وتُعميه.
وهِمّة أخرى : ارتبطت بمن فوق العرش جل وعلا إرادة وطلباً ، وشوقاً ومحبة ، وإخباتاً وإنابة ، لا مُسْتَرَاح لها إلا تحت
شجرة طوبى ، ولا قَرار لها إلا في يوم المزيد.
إنّ صاحب الدعوة ، حامل الأمانة ومبَلِّغ الرسالة يكون قدمه على الثرى وهمته في الثريا، يكون ذو عزم أكيد، وبأس شديد في دين الله، فلا يلين ولا يحيد، وهذا ما كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم، وتأمل هذا :
- عند أحمد في المسند عن ربيعة بن كعب رضي الله عنه قال: كنت أخدم رسول صلى الله عليه وسلم وأقوم له في حوائجه نهاري أجمع، حتى يصلي رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء الآخرة، فأجلس ببابه! إذا دخل بيته، أقول: لعلها أن تحدث لرسول الله صلى الله عليه وسلم حاجة، فما أزال أسمعه يقول: سبحان الله! سبحان الله! سبحان الله! وبحمده حتى أمل، فأرجع أوتغلبني عيني- فأرقد، قال: فقال لي يوماً لما يرى من خفتي له وخدمتي إياه: " سلني يا ربيعة أعطك " قال فقلت: أنظر في أمري يا رسول الله، ثم أعلمك ذلك؟ قال: ففكرت في نفسي فعرفت أن الدنيا منقطعة زائلة، وأن لي فيها رزقاً سيكفيني ويأتيني، قال فقلت: اسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لآخرتي فإنه من الله - عز وجل – بالمنزل الذي هو به، قال: فجئت فقال: " ما فعلت يا ربيعة ؟ " قال فقلت: نعم يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسألك أن تشفع لي إلى ربك فيعتقني من النار، قال فقال: " من أمرك بهذا يا ربيعة ؟ " قال: فقلت: لا والله الذي بعثك بالحق ما أمرني به أحد ولكنك لما قلت: سلني أعطك وكنت من الله بالمنزل الذي أنت به نظرت في أمري وعرفت أن الدنيا منقطعة وزائلة، وأن لي فيها رزقاً سيأتيني، فقلت: أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لآخرتي، قال: فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلاً، ثم قال لي: " إني فاعل، فأعني على نفسك بكثرة السجود "
هذا هو ربيعة الأمس فأين ربيعة اليوم؟!!
- وسأل رجل بلالاً مولى أبي بكر عنهما : فقال له : من سَبَقَ؟ قال : سبق المقربون ، قال : إنما أسألك عن الخيل ؟ قال : وأنا أجيبك عن الخير.
3 ـ أن تسارع بالرجوع إذا مافَتَرْتَ :
لكل إنسان فَتْره ولكن هناك من تطول فَتْرته وربما كانت إلى معصية ، وأما المسارع إلى الخيرات فما إن يفتر حتى يرجع إلى نشاطه السابق ، فلا يقدر على الابتعاد عن ربه كالسمك لا يقدر على الابتعاد عن الماء .
إن رجل لدعوة لا يملك نفسه حتى يسوغ له أن يمنح نفسه إجازة وإنما هو ((وقف لله تعالى)).واعلم أخي ((أن الراحة للرجال غفلة)) كما يقول الفاروق ، وأتعب الناس من جلّت مطالبه.
يقول ابن القيم : لا بد من سِنَةِ الغفلة ورقاد الغفلة ، ولكن كن خفيف النوم.
وانتبه من رقدة الغفــ ــلة فالعمر قليل
واطّرح سوف وحـتى فهما داء دخيــل
4 ـ أن تسارع بالتوبة إذا ماعصيت :
كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون ، ولا معصوم بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن المسارع إلى الخيرات إذا عصى الله تذكر فخاف منه سبحانه وأقلع وأناب إلى رب الأرباب .
اعف عني وأقلني عثرتي *** ياعتادي لملمات الزمن
لا تعاقبني فقد عاقبني ندم *** أقلق روحي في البدن
المتعبد يبكي على الفتور بكاء الثكلى بين القبور ويندب زمان الوصال ويتأسف على تغير الحال ،والخائف ينادي : ليت شعري ما الذي أسقطني من عينك ، أقلت هذا فراق بيني وبينك .
5 ـ أن تجتهد في الطاعات :
وقال تعالى : (( يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ* قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً* نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً*أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً* إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً* إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءاً وَأَقْوَمُ قِيلاً* إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحاً طَوِيلاً )) .
إنها دعوة السماء ، وكلام الكبير المتعال .. قم .. قم للأمر العظيم الذي ينتظرك والعبء الثقيل المُهيَّأ لك .. قم للجهد والنصب ، والكدِّ والتعب، نعم قم فقد مضى وقت النوم والراحة .. قم فتهيأ لهذا الأمر واستعدَّ.
قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم :((قم)) ، فقام وظل قائماً بعدها أكثر من عشرين عاماً! لم يسترح ، ولم يسكن ، ولم يعش لنفسه ولا لأهله ، قام وظلَّ قائماً على دعوة الله ، يحمل على عاتقه العبء الثقيل الباهظ ، عبء الأمانة الكبرى في هذه الأرض ، عبء البشرية كلها ، وعبء العقيدة كلها ، وعبء الكفاح والجهاد في ميادين شتى.
إن الذي يعيش لنفسه قد يعيش مستريحاً، ولكنه يعيش صغيراً ويموت صغيراً، فأما الكبير الذي يحمل هذا العبء الكبير … فما له والنوم؟ وما له والراحة؟ ما له والفراش الدافئ، والعيش الهادئ والمتاع المريح؟! ولقد عرف رسولنا صلى الله عليه وسلم حقيقة الأمر وقدَّره ، فقال لخديجة رضي الله عنها :(( مضى عهد النوم يا خديجة)). أجل! مضى عهد النوم ، وما عاد منذ اليوم إلا السهر والتعب والجهاد الطويل الشاق.
أخي الكريم، ما يحصل بردُ العيش إلا بحرِّ التعب، وما العز إلا تحت ثوب الكد، وعلى قدر الاجتهاد تعلو الرتب، ومن لم تبكِ الدنيا عليه، لم تضحك الآخرة إليه.
فيا أخي المسابق إلى رضا مولاك، إن هممت فبادر، وإن عزمت فثابر، واعلم أنه لا يدرك المفاخر، من رضي بالصف الآخر.، فكم من أناس موتى تحيا القلوب بذكرهم ، وأناس أحياء تموت القلوب برؤيتهم.
لله در القائل :
إن لم تكن للحق أنت فمن يكون ** والناس في محراب لذات الدنايا عاكفون
-- قال تعالى :(( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ )) .
قال ابن كثير : وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ : وهو الفاعل للواجبات والمستحبات التارك للمحرمات والمكروهات وبعض المباحات .
6 ـ أن تعمل وتخشى عدم القبول:
(( إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ *وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ))
قالت عائشة رضي الله عنها : يا رسول الله الذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة : هو الذي يسرق ويزني ويشرب الخمر وهو يخاف الله ؟ قال : ((لا يا بنت الصديق ولكنه الذي يصلي ويصوم ويتصدق وهو يخاف الله عز وجل)) .
7 ـ أن لا تشغلك الدنيا عن الآخرة :
(( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمْ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ))
يمشون نحو بيوت الله إذ سمعوا *** "الله أكبر" في شوق وفي جذل
أرواحهم خشــعت لله في أدب *** قلوبهم من جلال الله في وجل
نجواهم: ربنا جئنــاك طائـعة *** نفوسنا، وعصينا خادع الأمل
هـم الرجـال فلا يلهيهم لـعب *** عن الصلاة، ولا أكذوبة الكسل
هذا هو حال الرجال فى ميدان من ميادين المسارعة " الحرص على صلاة الجماعة" فضلا عن الميادين الأخرى . فأين هؤلاء الرجال اليوم ؟ وماذا يقول بعض دعاةِ اليوم الذين أصبحت تسمع طنطنتهم، وتردد ألسنتهم " الانشغال الحياتي", "ظروفي" ونحو ذالك من كلمات لا تليق بحال الأوفياء الأقوياء. وأقول مهلا أيها الدعاة ثم مهلا ، هل تستطيعون غدا أن تعتذرون بين يدي الله الكبير المتعال بما تعتذرون به اليوم ؟ أظن لا وألف لا!!
8-أن تلازم صحبة الأخيار:
وأظنك بحمد الله قد فزت بهذه الصحبة الطيبة في ظل دعوتنا المباركة، فالزمها وعض عليها بالنواجذ، فإنها لا يدانيها نعمة.ولا تضاهيها مزية ، وشرف لمن انتمى إليها وعمل تحت لوائها.
ويا أخي الحبيب ، انظر إلى ما في قصة أصحاب الكهف ((وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ)) ، ((سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ)).
كلب خطا مع أحبائه خطوات ، فإلى يوم القيامة يتلى (وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ..)) الآية ، فهل ترى أن مسلماً مجاهدا يصحب أحبابه من وقت شبابه إلى وقت مشيبته يردّه الله يوم القيامة خائباً؟!. هذا بكرمه سبحانه لا يكون .
9-أن توفى ببيعتك وتصدق فى وعدك:
إن من صفات أولى السبق الوفاء بالبيعة والصدق فى العهد والوعد والاستمرار على الدرب حتى يتحقق لهم الرضا الذي يأملون ، ألم يقل الله سبحانه {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً }
نعم لقد رضي الله عن المؤمنين حين بايعوا النبي- تحت الشجرة (وهذه هي بيعة الرضوان في "الحديبية") فعلم الله ما في قلوب هؤلاء المؤمنين من الإيمان والصدق والوفاء, فأنزل الله الطمأنينة عليهم وثبَّت قلوبهم, وعوَّضهم عمَّا فاتهم بصلح "الحديبية" فتحًا قريبًا, وهو فتح "خيبر" .
فهل وفيت وصدقت أيها الكريم؟!!هل قمت بحقوق الأركان العشرة وواجباتها عليك !! الله المستعان.
10-أن تغتنم مواسم الخيرات :
نعم إنها منح ربانية يتفضل بها الكريم علينا حين يهبنا مناسبات وذكريات، يريد فيها منا المسارعة إلى الخيرات وقد ندبنا لذلك رسولنا الكريم، فقال: " افعلوا الخير دهركم ، و تعرضوا لنفحات رحمة الله، فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده، وسلوا الله أن يستر عوراتكم، وأن يؤمن روعاتكم"[ المعجم الكبير للطبراني].
فإذا كانت المسارعة بالخيرات محمودة مطلوبة في كل آن وحين وكل مكان فإن حدوث ذلك في الأماكن المفضلة والأزمان الشريفة أكثر فضلا وخيرا وأعظم أجرا.
ومن أماكن الفضل المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى حيث فضلت الصلوات فيها على غيرها بدرجات عظيمة، ولم يشرع شد الرحال إلى مكان من أمكنة العبادة إلا إليها، كما أن من أماكنه الثغور حيث يرابط فيها المجاهدون حفظا لدار الإسلام واستعدادا للجهاد في سبيل الله تعالى هداية للناس وإخراجا لهم من الظلمات إلى النور بإذن ربهم، وقد وردت البشارات العظيمة بما أعد الله للمرابطين في سبيله فقال الرسول الكريم: \"كل ميت يختم على عمله إلا الذي مات مرابطا في سبيل الله فإنه ينمى له عمله إلى يوم القيامة ويأمن فتنة القبر\"( أبو داود والترمذي) وقال: \"من مات مرابطا في سبيل الله أجري عليه أجر عمله الصالح الذي كان يعمل وأجري عليه رزقه وأمن من الفتان وبعثه الله يوم القيامة آمنا من الفزع الأكبر\"[ ابن ماجه]
وكما كان هناك تفضيل للمكان فهناك تفضيل للزمان ومن أزمان الفضل أشهر الحج وشهر رمضان، ومن أزمانه أيضا يوم الجمعة الذي هو خير يوم طلعت عليه الشمس، وجوف الليل الآخر.
وبما أننا فى أيام العشر من ذي الحجة فهذه فرصتنا لكي نحقق فيها السباق ونحقق دعوة الحبيب صلى الله عليه وسلم لنا : (ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام ـ يعني أيام العشر ـ قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء) [رواه البخاري].
أسأل الله فى علاه أن يجعلنا من السباقين لفعل الخيرات والمسارعين لنيل الرحمات والعَجْلَى إلى تحصيل البركات ....اللهم آمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق