وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى 1
** ما أعظمه من شعار رفعه موسى كليم الرحمن عليه السلام حين سأله ربه " {وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يَا مُوسَى } أي وأيُّ شيء أعجلك عن قومك - يا موسى - فسبقتَهم إلى جانب الطور الأيمن لمجيء ميعاد أخذ التوراة, وخلَّفتَهم وراءك؟ فكان هذا هو الرد {قَالَ هُمْ أُولَاء عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى }أي إنهم خلفي سوف يلحقون بي, وسبقتُهم إليك - يا ربي - لتزداد عني رضا..
**الله أكبر! ماأجمله من رد وما أعظمه من تعبير وما أكرمه من شعار حين تتعجل في خطاك إرضاء لمولاك. واللغة تقول أن الفعل عجِل يعنى أسرع ، نعم... هى دعوة للسباق , دعوة للمسارعة ، دعوة للحاق بالركب قبل فوات الأوان ، وضياع الطريق وغياب المعالم واختفاء الأثر ، نعم...هو نداء عاجل .....أن يا أيها المشتاقون للجِنان ، الراغبون فى رضا الرحمن ، الراجون عفو المنان ، والساعون لإصلاح الأوطان ...أقبلوا ،واعرفوا طريقكم الذي يقودكم إلى ماتريدون.
لا خيار أمامكم إلا المسارعة
** وكيف لا تكونوا أنتم أيها الدعاة الأباة ، الحاملون للراية ، والداعون للهداية ،والمحققون للغاية ، وما أشرفها من غاية " الله غايتنا" ، أقول إن لم تكونوا أنتم من العَجْلَى المسارعين إلى الخيرات والمتسابقين إلى الرحمات , فمن غيرُكم ؟! والله سبحانه يناديكم ، وأظنكم أهلاً للنداء : (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ) ويقول أيضا (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) ويقول (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ) وأنتم تعلمون أيها الرجال أن كلمة " سبق " وردت فى القراّن الكريم بمعانيها الكثيرة المتفرعة "37 "مرة ، وكلمة " أسرع " وردت حوالي " 11" مرة " وكلمة " عجِل " حوالي " 32 " مرة
- وكيف لانُسرع فى خطانا إرضاءً لربنا , ورضاه سبحانه هو مبتغى الطالبين وروضة المشتاقين وغاية كل الصالحين المصلحين ودرب الصادقين. ألم يناجى الحبيبُ رَّبه قائلا " إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي... ”.
- وكيف لانُسرع ونحن نعلم أن الفرصة إذا لم يغتنمها صاحبها انقلبت إلى حسرة ، وقد تتهيأ لنا الأسباب اليوم ولا تتهيأ غدا ، فلنزرع اليوم لنحصد فى الغد ، وإن الغد لناظره لقريب.
ليس فى كل ساعة وأوان** تتهيأ صنائعُ الإحسان
فإذا أمكنت فبادر إليهـا ** حذرا من تعذر الإحسان
- وكيف لا نُسرع ونحن نعلم أن أهل السبق فى الدنيا هم أهل الرضا فى الدنيا والآخرة {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }
الرسول يوجه والأخيار يقولون سمعاً وطاعة
* نعم إن الحبيب محمدا صلى الله عليه وسلم لفت انتباهنا لهذه المسارعة والمبادرة:
- فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :(( بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا أَوْ غِنًى مُطْغِيًا أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا أَوِ الدَّجَّالَ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ أَوِ السَّاعَةَ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ )) الترمذي
* وإن جيل خير القرون كان هذا حالهم فقالوا وأسرعوا:
- عن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قالُ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَتَصَدَّقَ فَوَافَقَ ذَلِكَ عِنْدِي مَالًا فَقُلْتُ الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا قَالَ فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :(( مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ قُلْتُ مِثْلَهُ وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ فَقَالَ يَا أَبَا بَكْرٍ مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ قَالَ أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ قُلْتُ وَاللَّهِ لَا أَسْبِقُهُ إِلَى شَيْءٍ أَبَدًا )) لله درّك من صِدِّيق .!!
- قال الحسن : إذا رأيت الرجل ينافسك في الدنيا فنافسه في الآخرة.
- وقال وهيب بن الورد : إن استطعت ألا يسبقك إلى الله أحد فافعل.
- وهذا عبدالله بن مسعود ، يقول عنه شقيق بن عبدالله : مرض عبدالله بن مسعود فعُدناه ، فجعل يبكي ، فعوتب ، فقال : إني لا أبكي لأجل المرض ، لأني سمت رسول الله يقول :((المرض كفارة)) ، وإنما أبكي أنه أصابني على حال فَتْرة ، ولم يصبني في حال اجتهاد ، إنه يكتب للعبد من الأجر إذا مرض ما كان يُكتب له قبل أن يمرض فمنعه منه المرض.
رجال سباقون
** وإن تاريخ رجال دعوتنا المباركة الذين حملوا الراية وشقوا للدعوة طريقاً وسط الصخور والعراقيل بكل صدق و صراحة.. ، فما بدلوا ولا وهنوا لما أصابهم من لأْوَاءَ فى سبيل الله فأعظم بهم من رجال !!. أقول إن تاريخهم لَيَزْخَرُ بالكثيرِ من صورِ المسارعة والعَجَلَةِ إلى إرضاء الرحمن ، هذه بعض منها:
* " أملى أن يرضى الله عنى" ، ما أعظمها من كلمة خرجت من فمٍ طاهر ، من فن الشيخ الشهيد أحمد يسن ، وسعى لمرضاة ربه حتى نالها بشهادته ، ولا يُزَكَّى على الله أحدٌ.
"أملي أن يرضى الله عني".. كلمته المأثورة التي طالما ردَّدها، وكان جوابه المفضَّل إذا ما سُئِل عن أمنيته في الحياة- وهو قائدٌ لحركة المقاومة حماس الحركةِ المجاهدةِ""أملي أن يرضى الله عني" فكانت آخر ما نطق به قبل استشهاده، رغم عجزه وجلوسه على كرسيه المتحرك، إلا أنه لم يكلَّ أو يملَّ يومًا من الجهاد أو الدعوة إلى الله؛والمسارعة إلى رضاه سبحانه، ليكون الشيخ القعيد الذي أحيا أمةً باستشهاده.
• ذهب الأمام الشهيد إلى مؤتمر بالمنزلة دقهلية وبعد الفراغ من المؤتمر ، و الذهاب إلى النوم ، توجه الإمام و في صحبته الأستاذ عمر التلمساني إلى حجرة بها سريران ، ورقد كل على سريره .وبعد دقائق قال الأستاذ: أنمت يا عمر ؟ . قال : لا . وتكرر السؤال . وتكرر الرد.
وقال الأخ عمر في نفسه إذا سأل فلن أرد. وظن الأستاذ أن الأخ عمر قد نام.
فتسلل على أطراف أصابعه، وخرج من الحجرة، وأخذ نعليه في يده، وذهب إلى دورة المياه حافياً، حيث جدد وضوءه، ثم اتجه إلى آخر الصالة، وفرش سجادة، وأخذ يتهجد.
أليست هذه عّجّلّةٌ ومسارعة إلى إرضاء الله؟!
أو ليست هذه همسة عتاب فى آذاننا نحن المقصرين فى قيام الليل؟
* ويقول الإمام الشهيد في مذكراته :
عرضت على زملائي و أنا طالب بدار العلوم أن نخرج للوعظ في المقاهي فعارضوا ... و كنت أخالفهم في هذه النظرة ، وكنت أعتقد أن كثيراً من رواد المقاهي فيهم خير .
وقلت لزملائي : إن العبرة بحسن اختيار الموضوع فلا نتعرض لما يجرح شعورهم.وبطريقة العرض فتعرض بأسلوب شائق جذاب .وبالوقت فلا نطيل عليهم القول .وقمنا بالتجربة فألقيت في أول ليلة أكثر من عشرين خطبة تستغرق الواحدة منها ما بين خمس دقائق إلى عشرة.ولقد كان شعور السامعين عجيباً، وكانوا دائماً بعد الخطبة يقسمون أن نشرب شيئاً، فنعتذر لهم بضيق الوقت وبأننا نذرنا هذا الوقت لله.وكان أسوتنا قول كل رسول: ﴿ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًاً ﴾ .
ونجحت التجربة مائة في المائة بفضل الله وتوفيقه.
وكرر الإمام الشهيد هذا الأسلوب وحده في الإسماعيلية عندما تخرج، وعين مدرساً هناك، فنجح بفضل الله.
الله أكبر، أو ليست هذه مسارعة إلى إرضاء الرحمن بدعوة الناس إلى الخير الذي من الله به علينا كي نحقق نداء الرجلين الذين أنعم الله عليهما " ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ" ، ثم أليس مانحن فيه اليوم من خير وانتشار لدعوتنا هو من ثمار هذا السعي المبارك ؟
*ويقول الإمام أيضا :
مررت ذات يوم على شاطئ النيل وأنا تلميذ .. فلاحظت أن أحد أصحاب السفن قد علق في ساريتها تمثالاً خشبياً عارياً على صورة تتنافى مع الآداب ، وبخاصة و أن هذا الجزء من الشاطئ يتردد عليه السيدات والفتيات يستقين منه الماء .فذهبت فوراً إلى ضابط النقطة وذكرت له ما رأيت وأنا غاضب .. فقام الرجل على الفور ، وهدد صاحب السفينة ، وأمره بإنزال التمثال حالاً .ولم يكتف الرجل بذلك بل ذهب في صباح اليوم التالي إلى المدرسة وأخبر الناظر الخبر في إعجاب وسرور.فسر الناظر وأذاع الخبر على التلاميذ في طابور الصباح.
فأين نحن من مظاهر الفحش التي أزكمت رائحتها الأنوف ؟ فى وسائل المواصلات ؟ فى الشارع ؟ فى الجامعة ؟ وغيرها.... وحتى إن لم يوجد ناظر الأمس ولا ضابط الأمس فأين داعية الأمس؟!!
وتلك هي أخلاق رجالات دعوة الإخوان المسلمين ، ولمثل هذا فليعمل العاملون، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
* والنماذج كثيرة وكثيرة، فهناك واجبات كثيرة يجب أن نسارع إليها : واجب نحو نفسك ، واجب نحو بيتك ، واجب نحو دعوتك ،واجب نحو أُخُوَّتِك ، واجب نحو مجتمعك ، فماذا أنتم فاعلون : هل وفَّيْنا ؟ هل أدَّيْنا ؟ هل أسرعْنا؟
**ومن اللفتات الجميلة : أن الله حين ذكر الدنيا قال :((فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا)) ، وحين ذكر الذكر فيها قال :((فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ)) ، وحين تكلم عن الجنة قال :((وَسَارِعُوا)) ، و((سَابِقُوا)) ، وحين تلكم عن العليّ قال :((فَفِرُّوا إِلَى اللهِ)) ،
نعم هكذا يجب أن يكون الحال ((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ )).
هلاَّ عزمتَ على السبق؟!
** والآن سل نفسك أيها الأخ الحبيب والفارس النجيب والداعية الأريب : هل عزمت على المسارعة إلى مرضاة الرحمن ؟!هل عزمت على رفع شعار كليم الرحمن " وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى "
إن لم تكن حسمت إجابتك بعد ، فسل نفسك هذين السؤالين ؟
هل تود دخول إلى الجنة ؟
قال تعالى: ((وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ)) السابقون في الدنيا إلى الخيرات سبقوا في الآخرة إلى الجنات فإن السبق هناك على قدر السبق هنا.
هل تود الدرجات العلى منها؟ :
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( من أراد أن يعلم ما له عند الله فلينظر ما لله عنده )) ، وقال صلى الله عليه وسلم : (( من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة )) .
- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :(( إِنَّ أَهْلَ الدَّرَجَاتِ الْعُلَى يَرَاهُمْ مَنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ كَمَا يُرَى الْكَوْكَبُ الطَّالِعُ فِي الْأُفُقِ مِنْ آفَاقِ السَّمَاءِ وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ مِنْهُمْ وَأَنْعَمَا ))
---------------------
*** والآن بعدما عزمت وأردت الجنة بل أردت العلا منها ؟ كيف تعرف أنك من المسارعين السباقين؟
هذاهو ما سنعرضه فى جزء ثان لاحق بحول الله وقوته ، أسأل الله أن يجعلني وإياك من المسارعين إلى لخيرات . آمين.
** ما أعظمه من شعار رفعه موسى كليم الرحمن عليه السلام حين سأله ربه " {وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يَا مُوسَى } أي وأيُّ شيء أعجلك عن قومك - يا موسى - فسبقتَهم إلى جانب الطور الأيمن لمجيء ميعاد أخذ التوراة, وخلَّفتَهم وراءك؟ فكان هذا هو الرد {قَالَ هُمْ أُولَاء عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى }أي إنهم خلفي سوف يلحقون بي, وسبقتُهم إليك - يا ربي - لتزداد عني رضا..
**الله أكبر! ماأجمله من رد وما أعظمه من تعبير وما أكرمه من شعار حين تتعجل في خطاك إرضاء لمولاك. واللغة تقول أن الفعل عجِل يعنى أسرع ، نعم... هى دعوة للسباق , دعوة للمسارعة ، دعوة للحاق بالركب قبل فوات الأوان ، وضياع الطريق وغياب المعالم واختفاء الأثر ، نعم...هو نداء عاجل .....أن يا أيها المشتاقون للجِنان ، الراغبون فى رضا الرحمن ، الراجون عفو المنان ، والساعون لإصلاح الأوطان ...أقبلوا ،واعرفوا طريقكم الذي يقودكم إلى ماتريدون.
لا خيار أمامكم إلا المسارعة
** وكيف لا تكونوا أنتم أيها الدعاة الأباة ، الحاملون للراية ، والداعون للهداية ،والمحققون للغاية ، وما أشرفها من غاية " الله غايتنا" ، أقول إن لم تكونوا أنتم من العَجْلَى المسارعين إلى الخيرات والمتسابقين إلى الرحمات , فمن غيرُكم ؟! والله سبحانه يناديكم ، وأظنكم أهلاً للنداء : (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ) ويقول أيضا (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) ويقول (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ) وأنتم تعلمون أيها الرجال أن كلمة " سبق " وردت فى القراّن الكريم بمعانيها الكثيرة المتفرعة "37 "مرة ، وكلمة " أسرع " وردت حوالي " 11" مرة " وكلمة " عجِل " حوالي " 32 " مرة
- وكيف لانُسرع فى خطانا إرضاءً لربنا , ورضاه سبحانه هو مبتغى الطالبين وروضة المشتاقين وغاية كل الصالحين المصلحين ودرب الصادقين. ألم يناجى الحبيبُ رَّبه قائلا " إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي... ”.
- وكيف لانُسرع ونحن نعلم أن الفرصة إذا لم يغتنمها صاحبها انقلبت إلى حسرة ، وقد تتهيأ لنا الأسباب اليوم ولا تتهيأ غدا ، فلنزرع اليوم لنحصد فى الغد ، وإن الغد لناظره لقريب.
ليس فى كل ساعة وأوان** تتهيأ صنائعُ الإحسان
فإذا أمكنت فبادر إليهـا ** حذرا من تعذر الإحسان
- وكيف لا نُسرع ونحن نعلم أن أهل السبق فى الدنيا هم أهل الرضا فى الدنيا والآخرة {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }
الرسول يوجه والأخيار يقولون سمعاً وطاعة
* نعم إن الحبيب محمدا صلى الله عليه وسلم لفت انتباهنا لهذه المسارعة والمبادرة:
- فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :(( بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا أَوْ غِنًى مُطْغِيًا أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا أَوِ الدَّجَّالَ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ أَوِ السَّاعَةَ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ )) الترمذي
* وإن جيل خير القرون كان هذا حالهم فقالوا وأسرعوا:
- عن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قالُ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَتَصَدَّقَ فَوَافَقَ ذَلِكَ عِنْدِي مَالًا فَقُلْتُ الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا قَالَ فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :(( مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ قُلْتُ مِثْلَهُ وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ فَقَالَ يَا أَبَا بَكْرٍ مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ قَالَ أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ قُلْتُ وَاللَّهِ لَا أَسْبِقُهُ إِلَى شَيْءٍ أَبَدًا )) لله درّك من صِدِّيق .!!
- قال الحسن : إذا رأيت الرجل ينافسك في الدنيا فنافسه في الآخرة.
- وقال وهيب بن الورد : إن استطعت ألا يسبقك إلى الله أحد فافعل.
- وهذا عبدالله بن مسعود ، يقول عنه شقيق بن عبدالله : مرض عبدالله بن مسعود فعُدناه ، فجعل يبكي ، فعوتب ، فقال : إني لا أبكي لأجل المرض ، لأني سمت رسول الله يقول :((المرض كفارة)) ، وإنما أبكي أنه أصابني على حال فَتْرة ، ولم يصبني في حال اجتهاد ، إنه يكتب للعبد من الأجر إذا مرض ما كان يُكتب له قبل أن يمرض فمنعه منه المرض.
رجال سباقون
** وإن تاريخ رجال دعوتنا المباركة الذين حملوا الراية وشقوا للدعوة طريقاً وسط الصخور والعراقيل بكل صدق و صراحة.. ، فما بدلوا ولا وهنوا لما أصابهم من لأْوَاءَ فى سبيل الله فأعظم بهم من رجال !!. أقول إن تاريخهم لَيَزْخَرُ بالكثيرِ من صورِ المسارعة والعَجَلَةِ إلى إرضاء الرحمن ، هذه بعض منها:
* " أملى أن يرضى الله عنى" ، ما أعظمها من كلمة خرجت من فمٍ طاهر ، من فن الشيخ الشهيد أحمد يسن ، وسعى لمرضاة ربه حتى نالها بشهادته ، ولا يُزَكَّى على الله أحدٌ.
"أملي أن يرضى الله عني".. كلمته المأثورة التي طالما ردَّدها، وكان جوابه المفضَّل إذا ما سُئِل عن أمنيته في الحياة- وهو قائدٌ لحركة المقاومة حماس الحركةِ المجاهدةِ""أملي أن يرضى الله عني" فكانت آخر ما نطق به قبل استشهاده، رغم عجزه وجلوسه على كرسيه المتحرك، إلا أنه لم يكلَّ أو يملَّ يومًا من الجهاد أو الدعوة إلى الله؛والمسارعة إلى رضاه سبحانه، ليكون الشيخ القعيد الذي أحيا أمةً باستشهاده.
• ذهب الأمام الشهيد إلى مؤتمر بالمنزلة دقهلية وبعد الفراغ من المؤتمر ، و الذهاب إلى النوم ، توجه الإمام و في صحبته الأستاذ عمر التلمساني إلى حجرة بها سريران ، ورقد كل على سريره .وبعد دقائق قال الأستاذ: أنمت يا عمر ؟ . قال : لا . وتكرر السؤال . وتكرر الرد.
وقال الأخ عمر في نفسه إذا سأل فلن أرد. وظن الأستاذ أن الأخ عمر قد نام.
فتسلل على أطراف أصابعه، وخرج من الحجرة، وأخذ نعليه في يده، وذهب إلى دورة المياه حافياً، حيث جدد وضوءه، ثم اتجه إلى آخر الصالة، وفرش سجادة، وأخذ يتهجد.
أليست هذه عّجّلّةٌ ومسارعة إلى إرضاء الله؟!
أو ليست هذه همسة عتاب فى آذاننا نحن المقصرين فى قيام الليل؟
* ويقول الإمام الشهيد في مذكراته :
عرضت على زملائي و أنا طالب بدار العلوم أن نخرج للوعظ في المقاهي فعارضوا ... و كنت أخالفهم في هذه النظرة ، وكنت أعتقد أن كثيراً من رواد المقاهي فيهم خير .
وقلت لزملائي : إن العبرة بحسن اختيار الموضوع فلا نتعرض لما يجرح شعورهم.وبطريقة العرض فتعرض بأسلوب شائق جذاب .وبالوقت فلا نطيل عليهم القول .وقمنا بالتجربة فألقيت في أول ليلة أكثر من عشرين خطبة تستغرق الواحدة منها ما بين خمس دقائق إلى عشرة.ولقد كان شعور السامعين عجيباً، وكانوا دائماً بعد الخطبة يقسمون أن نشرب شيئاً، فنعتذر لهم بضيق الوقت وبأننا نذرنا هذا الوقت لله.وكان أسوتنا قول كل رسول: ﴿ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًاً ﴾ .
ونجحت التجربة مائة في المائة بفضل الله وتوفيقه.
وكرر الإمام الشهيد هذا الأسلوب وحده في الإسماعيلية عندما تخرج، وعين مدرساً هناك، فنجح بفضل الله.
الله أكبر، أو ليست هذه مسارعة إلى إرضاء الرحمن بدعوة الناس إلى الخير الذي من الله به علينا كي نحقق نداء الرجلين الذين أنعم الله عليهما " ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ" ، ثم أليس مانحن فيه اليوم من خير وانتشار لدعوتنا هو من ثمار هذا السعي المبارك ؟
*ويقول الإمام أيضا :
مررت ذات يوم على شاطئ النيل وأنا تلميذ .. فلاحظت أن أحد أصحاب السفن قد علق في ساريتها تمثالاً خشبياً عارياً على صورة تتنافى مع الآداب ، وبخاصة و أن هذا الجزء من الشاطئ يتردد عليه السيدات والفتيات يستقين منه الماء .فذهبت فوراً إلى ضابط النقطة وذكرت له ما رأيت وأنا غاضب .. فقام الرجل على الفور ، وهدد صاحب السفينة ، وأمره بإنزال التمثال حالاً .ولم يكتف الرجل بذلك بل ذهب في صباح اليوم التالي إلى المدرسة وأخبر الناظر الخبر في إعجاب وسرور.فسر الناظر وأذاع الخبر على التلاميذ في طابور الصباح.
فأين نحن من مظاهر الفحش التي أزكمت رائحتها الأنوف ؟ فى وسائل المواصلات ؟ فى الشارع ؟ فى الجامعة ؟ وغيرها.... وحتى إن لم يوجد ناظر الأمس ولا ضابط الأمس فأين داعية الأمس؟!!
وتلك هي أخلاق رجالات دعوة الإخوان المسلمين ، ولمثل هذا فليعمل العاملون، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
* والنماذج كثيرة وكثيرة، فهناك واجبات كثيرة يجب أن نسارع إليها : واجب نحو نفسك ، واجب نحو بيتك ، واجب نحو دعوتك ،واجب نحو أُخُوَّتِك ، واجب نحو مجتمعك ، فماذا أنتم فاعلون : هل وفَّيْنا ؟ هل أدَّيْنا ؟ هل أسرعْنا؟
**ومن اللفتات الجميلة : أن الله حين ذكر الدنيا قال :((فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا)) ، وحين ذكر الذكر فيها قال :((فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ)) ، وحين تكلم عن الجنة قال :((وَسَارِعُوا)) ، و((سَابِقُوا)) ، وحين تلكم عن العليّ قال :((فَفِرُّوا إِلَى اللهِ)) ،
نعم هكذا يجب أن يكون الحال ((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ )).
هلاَّ عزمتَ على السبق؟!
** والآن سل نفسك أيها الأخ الحبيب والفارس النجيب والداعية الأريب : هل عزمت على المسارعة إلى مرضاة الرحمن ؟!هل عزمت على رفع شعار كليم الرحمن " وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى "
إن لم تكن حسمت إجابتك بعد ، فسل نفسك هذين السؤالين ؟
هل تود دخول إلى الجنة ؟
قال تعالى: ((وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ)) السابقون في الدنيا إلى الخيرات سبقوا في الآخرة إلى الجنات فإن السبق هناك على قدر السبق هنا.
هل تود الدرجات العلى منها؟ :
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( من أراد أن يعلم ما له عند الله فلينظر ما لله عنده )) ، وقال صلى الله عليه وسلم : (( من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة )) .
- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :(( إِنَّ أَهْلَ الدَّرَجَاتِ الْعُلَى يَرَاهُمْ مَنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ كَمَا يُرَى الْكَوْكَبُ الطَّالِعُ فِي الْأُفُقِ مِنْ آفَاقِ السَّمَاءِ وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ مِنْهُمْ وَأَنْعَمَا ))
---------------------
*** والآن بعدما عزمت وأردت الجنة بل أردت العلا منها ؟ كيف تعرف أنك من المسارعين السباقين؟
هذاهو ما سنعرضه فى جزء ثان لاحق بحول الله وقوته ، أسأل الله أن يجعلني وإياك من المسارعين إلى لخيرات . آمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق