المنهج الإسلامي لعلاج مشكلة البطالة
أشرُّ شرٍّ يهدد الإنسانيةَ هو وجود عاملٍ عاطلٍ، وهو في أشدِّ الحاجةِ إلى العملِ وقادر عليه، حتى يستطيع الإنفاق على مطالبِ الحياة ويسهم في عمارةِ الأرض، وعبادة الله، وحماية نفسه من صورِ الفساد الأخلاقي والاجتماعي والسياسي.
وتنشأ مشكلة البطالة عندما لا يلتزم الإنسانُ بالفطرةِ السجِيَّةِ التي خلقه الله عليها، أو أنه يسيءُ استخدامَ ما سخَّره الله له من نعم، أو ينحرف عن الرشد في استغلالِ الموارد البشرية والطبيعية، فالإنسانُ هو سبب هذه المشكلة، ولن تحل هذه المشكلة إلاَّ من خلالِ الإنسان الرشيد الذي يُطبق أحكام ومبادئِ الشريعة الإسلامية.
ومن مخاطر مشكلة البطالة أنها تُحطِّم الجوانب المعنوية والنفسية للإنسان، وتُسبب ارتباكًا وخللاً في الأسرة، كما أنَّ لها العديدَ من الآثارِ السياسية السيئة، حيث تُسبب خطرًا على استقرارِ الحكم.
وتأسيسًا على ما سبق، فإنَّ التصدي لها يعتبر من الضرورياتِ الشرعية، والواجبات الدينية، والمسئولية الوطنية، وهي قضية ولي الأمر والمجتمع بأَسْرِهِ، سواء بسواء، ولكن كيف تُعالج هذه المشكلةُ بالفعل والعمل وليس بالقول والأمل؟ هذا ما سوف نتعرف عليه من خلال هذه الكلمات الموجزة كل الإيجاز :
أولا وقبل كل شيء : نتأمل هذا الحديث الشريف (اذهب واحتطب):
فقد روى أنس ابن مالك t "أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُهُ فَقَالَ: لَكَ فِي بَيْتِكَ شَيْءٌ، قَالَ: بَلَى حِلْسٌ نَلْبَسُ بَعْضَهُ وَنَبْسُطُ بَعْضَهُ وَقَدَحٌ نَشْرَبُ فِيهِ الْمَاءَ، قَالَ: ائْتِنِي بِهِمَا، قَالَ: فَأَتَاهُ بِهِمَا، فَأَخَذَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَشْتَرِي هَذَيْنِ؟ فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمٍ، قَالَ: مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا؟ قَالَ رَجُلٌ: أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمَيْنِ، فَأَعْطَاهُمَا إِيَّاهُ وَأَخَذَ الدِّرْهَمَيْنِ فَأَعْطَاهُمَا الْأَنْصَارِيَّ وَقَالَ: اشْتَرِ بِأَحَدِهِمَا طَعَامًا فَانْبِذْهُ إِلَى أَهْلِكَ وَاشْتَرِ بِالْآخَرِ قَدُومًا فَأْتِنِي بِهِ فَفَعَلَ، فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَدَّ فِيهِ عُودًا بِيَدِهِ وَقَالَ: اذْهَبْ فَاحْتَطِبْ وَلَا أَرَاكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَجَعَلَ يَحْتَطِبُ وَيَبِيعُ فَجَاءَ وَقَدْ أَصَابَ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ فَقَالَ: اشْتَرِ بِبَعْضِهَا طَعَامًا وَبِبَعْضِهَا ثَوْبًا، ثُمَّ قَالَ: هَذَا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَجِيءَ وَالْمَسْأَلَةُ نُكْتَةٌ فِي وَجْهِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَصْلُحُ إِلَّا لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ أَوْ لِذِي غُرْمٍ مُفْظِعٍ أَوْ دَمٍ مُوجِعٍ" (سنن ابن ماجه:)
وبدراسة هذه الخطة في مكافحة البطالة (ورسول الله e هو الأسوة الحسنة) نجد أنه طلب من العاطل عن العمل:
1. أن يقدم شيئاً يصلح للبيع أي طلب منه التمويل أو المشاركة فيه قبل كلِّ شيء.
2. وعندما لم يكن ما قدمه كافياً، طلب من جماعة المسلمين المساهمة دون إحراج بطريقة البيع بالمزاد العلني ليُحصِّل أكبر قدْر ممكن من التمويل، ودون بخسٍ لقيمة البضاعة التي يملكها العاطل عن العمل.
3. لقد وثِقَ رسول الله e بالعاطل عن العمل فأعطاه قيمة أصوله التي بِيْعت ليتدبر أمره بالشكل الذي سيرسمه له.
4. طلب e منه أن يكفي عائلته أوَّلاً، وهنا يتضح أن الجانب الاجتماعي مقدَّم على ما سِواه، وعلَّمه الاقتصاد بضرورة توجيه قسم من الثروة نحو الاستثمار وذلك بشراء الأصول المنتجة (الحبل والفأس).
5. طلب e منه شراء أدوات ولوازم العمل، ولم يقم هو e أو أحد من أصحابه بذلك.
6. ساعده e في تجميع أدواته وتهيئتها لتصبح أكثر جاهزية للعمل بأن شدَّ عوداً بيديه الشريفتين.
7. علّمه الدورة الاقتصادية: وذلك بأن حوّل أصوله لسيولة نقدية ثم اشترى أدواته الإنتاجية ثم طلب منه العمل وبذل الجهد (بقوله: اذهب) ثم التحويل الصناعي (بقوله: احتطب) ثم تحويل البضاعة إلى نقد بالبيع (بقوله: بِع).
8. أعطاه مهلة زمنية معقولة لمعرفة جدوى هذا العمل وما سيعود عليه به من نفع.
9. بعد التدقيق في نتائج عمله والحكم بأنه نافع ومُجدٍ نَصحه ومَدحه وشَجّعه.
10. حذَّره من السؤال وبيَّن له أن السؤال لا يجوز إلا لثلاثة: ذي فَقرٍ مُدقعٍ أو غُرمٍ مُفظع أو دَمٍ مُوجعٍ.
لقد رأى e بحكمته (كوليِّ أمر) أن الاحتطاب يناسب جسم الرجل وفكره فنصحه به، ولو رأى فيه غير ذلك لنصحه بعمل آخر. مما يدلّ على أن ولي الأمر يتوجب عليه تهيئة فرص العمل الحلال وتأمين الفرص البديلة في حال فشل الفرص السابقة. لذلك قال e: "مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا فَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَحَدًا مُحَابَاةً فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا حَتَّى يُدْخِلَهُ جَهَنَّمَ، وَمَنْ أَعْطَى أَحَدًا حِمَى اللَّهِ فَقَدْ انْتَهَكَ فِي حِمَى اللَّهِ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ أَوْ قَالَ تَبَرَّأَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ " رواه أحمد
فيقوم المنهج الاقتصادي الإسلامي لعلاج مشكلة البطالة على المفاهيم والأسس الآتية كما يحددها أ. د. حسين شحاتة الأستاذ بجامعة الأزهر والخبير الاستشاري في المعاملاتِ المالية الشرعية :
1- تنمية الباعثِ والحافزِ على العملِ، بصرفِ النظر عن التأهيلِ العلمي والوضع الاجتماعي؛ باعتبار أنَّ العملَ عبادةٌ، شرف، قيمة، عزة، كما قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- للصحابي الذي جاء يطلب الصدقةَ: "اذهب واحتطب"، (المنهج التربوي لإيجادِ العامل ذي القيم والأخلاق).
2- تطبيق الصيغ الإسلامية لتمويل المشروعات الصغيرة والقائم على المشاركة وليس الفائدة، وهذا هو الاتجاه العالمي الآن (المنتجات الاستثمارية الإسلامية).
3- إنشاء مراكزِ التدريبِ المهني والحرفي تحت رعاية المنظمات والمؤسسات غير الهادفة للربح، مع إعطاء بعض الآمال لدعم المتفوقين؛ لتمويل مشروعاتهم بنظام القرض الحسن أو المشاركة (التدريب الفَعَّال).
4- الاهتمام بنظامِ الزكاة، والقرض الحسن، والهِبات والوصايا، والوقف لدعم مشروعات علاج البطالة (دور المؤسسات الخيرية الاجتماعية).
5- تجنُّب الإسراف والتبذير على المستوى القومي في النفقاتِ العامة، فعلى سبيل المثال، توجيه النفقات العامة في مجالِ الكمالياتِ والترفيهاتِ وتوجيهها لتمويلِ المشروعات الصغيرة (ترشيد النفقات العامة).
6- دعم سُبل التعاونِ من خلال الإخوةِ بين الدول العربية والإسلامية، وتطبيق قول الله تبارك وتعالى: ?وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى? (المائدة: من الآية 2) (السوق العربية الإسلامية المشتركة).
7- توجيه البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية لدعم المشروعات التي تستوعب أكبر عددٍ من العاطلين (دور المصرفية الإسلامية في تمويل المشروعات الاستثمارية).
8- حماية المشروعات الموجهة لعلاج البطالة من اتفاقياتِ الجات بقرارٍ جمهوري.
9- إلغاء كافة أنواع الرسوم والضرائب والإكراميات والرشوة التي تعوق مشروعات علاج البطالة (ترشيد الضرائب).
وجوب النظرة الشاملة لمشكلة البطالة
لا ينبغي التصدي لقضيةِ البطالة بانعزالٍ عن العديدِ من القضايا والمشاكل الأخرى، ومنها على سبيل المثال ما يلي:
- قضية التربية والتعليم.
- قضية الضرائب.
- قضية حوافز الاستثمار والتمويل.
- قضية القطاع الخاص والخصخصة.
- قضية العولمة والجات.
- قضية الهجرة.
- قضية التكامل والتعاون بين الدول العربية، وهكذا.
وتأسيسًا على ذلك يجب أن يكون هناك إصلاحٌ شاملٌ للقضايا السابقة بالتوازي مع قضيةِ البطالة، بمعنى أن تُوضَعَ إستراتيجياتٌ متكاملةٌ ومتناغمةٌ في كافةِ محاورِ القضية من منظورٍ عملي في ضوءِ الواقع والإمكانيات، بمعنى أنه يجب أن تُعالجَ هذه القضيةُ من منظورٍ عملي تنفيذي، وليس من منظورِ الدراسات والبحوث والمحاضرات والندوات، ولا يعني ذلك التقليل من أهميتها؛ بل يجب أن يحول كل هذا إلى برامجَ عملٍ موضوعيةٍ قابلةٍ للتطبيق في ضوء الإمكاناتِ المتاحة، وفي ضوء إستراتيجياتِ وآلياتِ التنفيذِ.
خلاصة القول:
يقوم المنهج والبرنامج الاقتصادي الإسلامي لعلاج مشكلة البطالة على عدةِ محاورَ عمليةٍ منها : إعداد الإنسان إعدادًا أخلاقيًّا وفنيًّا، وتوفير التمويل اللازم للمشروعاتِ بالصيغِ الإسلامية، وحماية الدولة للمشروعات التنموية من خلال إعادةِ النظر في الضرائب ونحوها، وتفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني في دعم المشروعات الصغيرة,حقا :
"الإسلام هو الحل"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق