رائعة حافظ إبراهيم في عمر بن الخطاب
حسب القوافي و حسبي حين ألقيها ** أني إلى ساحة الفاروق أهديها
لاهم هب لي بيانا أستعين به ** على قضاء حقوق نام قاضـيها
قد نازعتني نفسي أن أوفيها ** و ليس في طوق مثلي أن يوفيها
فمر سري المعاني أن يواتيني ** فيها فإني ضعيف الحال واهيها
(مقتل عمر)
مولى المغيرة لا جادتك غادية ** من رحمة الله ما جادت غواديها
مزقت منه أديما حشوه همم ** في ذمة الله عاليها و ماضيها
طعنت خاصرة الفاروق منتقما ** من الحنيفة في أعلى مجاليها
فأصبحت دولة الإسلام حائرة ** تشكو الوجيعة لما مات آسيها
مضى و خلـّفها كالطود راسخة ** و زان بالعدل و التقوى مغانيها
تنبو المعاول عنها و هي قائمة ** و الهادمون كثير في نواحيها
حتى إذا ما تولاها مهدمها ** صاح الزوال بها فاندك عاليها
واها على دولة بالأمس قد ملأت ** جوانب الشرق رغدا في أياديها
كم ظللتها و حاطتها بأجنحة ** عن أعين الدهر قد كانت تواريها
من العناية قد ريشت قوادمها ** و من صميم التقى ريشت خوافيها
و الله ما غالها قدما و كاد لها ** و اجتـث دوحتها إلا مواليـها
لو أنها في صميم العرب ما بقيت ** لما نعاها على الأيام ناعيها
ياليتهم سمعوا ما قاله عمـر ** و الروح قد بلغت منه تراقيـها
لا تكثروا من مواليكم فإن لهم ** مطامع بَسَمَاتُ الضعف تخفيها
(إسلام عمر )
رأيت في الدين آراء موفقـة ** فأنـزل الله قرآنـا يزكيـها
و كنت أول من قرت بصحبته ** عين الحنيفة و اجتازت أمانيها
قد كنت أعدى أعاديها فصرت لها ** بنعمة الله حصنا من أعاديها
خرجت تبغي أذاها في محمدها ** و للحنيـفة جبـار يواليـها
فلم تكد تسمع الايات بالغة ** حتى انكفأت تناوي من يناويـها
سمعت سورة طه من مرتلها ** فزلزلت نية قد كنت تنويـها
و قلت فيها مقالا لا يطاوله ** قول المحب الذي قد بات يطريها
و يوم أسلمت عز الحق و ارتفعت ** عن كاهل الدين أثقالا يعانيها
و صاح فيها بلال صيحة خشعت ** لها القلوب ولبت أمر باريها
فأنت في زمن المختار منجدها ** و أنت في زمن الصديق منجيها
كم استراك رسـول الله مغتبطا ** بحكمـة لـك عند الرأي يلفيـها
(عمر و بيعة أبي بكر )
و موقف لك بعد المصطفى افترقت ** فيه الصحابة لما غاب هاديها
بايعت فيـه أبا بكر فبايعـه ** على الخلافة قاصـيها و دانـيها
و أطفئت فتنة لولاك لاستعرت ** بين القبائل و انسابت أفاعيـها
بات النبي مسجا في حظـيرته ** و أنت مستعـر الاحشـاء دامـيها
تهيم بين عجيج الناس في دهش ** من نبأة قد سرى في الأرض ساريها
تصيح : من قال نفس المصطفى قبضت ** علوت هامته بالسيف أبريها
أنسـاك حبك طـه أنه بشـر ** يجري عليه شـؤون الكون مجـريها
و أنـه وارد لابـد موردهـا ** مـن المنـية لا يعفـيه ساقيـها
نسيت في حق طه آية نزلت ** و قد يذكـّـر بالايـات ناسـيها
ذهلت يوما فكانت فتنة عـمم ** وثاب رشدك فانجابت دياجيـها
فللسقيفـة يوم أنت صاحـبه ** فيه الخلافة قد شيدت أواسيـها
مدت لها الأوس كفا كي تناوله ** فمدت الخزرج الايدي تباريها
و ظـن كل فريـق أن صاحبهم ** أولى بها و أتى الشحناء آتيها
حتى انبريت لهم فارتد طامعهم ** عنها وآخى أبو بكر أواخيها
( عمر و علي )
و قولـة لعلـي قالـهـا عـمر ** أكرم بسامعها أعظم بملقيـها
حرقتُ دارك لا أبقي عليك بها ** إن لم تبايع و بنت المصطفى فيها
ما كان غير أبى حفص يفوه بها** أمام فارس عدنـان وحامـيها
كلاهما في سبيل الحق عزمته ** لا تـنثـني أو يكون الحق ثانيـها
فاذكرهما وترحم كلما ذكروا ** أعاظما ألِّهوا في الكون تأليـها
( عمر و جبله بن الايهم )
كم خفت في الله مضعوفا دعاك به ** و كم أخفت قويـا ينثنـي تيها
و في حديث فتى غسان موعظة ** لكــل ذي نعـرة يأبى تناسيـها
فما القوي قويا رغم عزته ** عند الخصومة و الفـاروق قاضـيها
وما الضعيف ضعيفا بعد حجته ** و إن تخاصم واليها و راعيها
( عمر و أبو سفيان )
و ما أقلت أبا سفيان حين طوى** عنك الهدية معتزا بمهديها
لم يغن عنه و قد حاسبته حسب ** و لا معاوية بالشام يجبيها
قيدت منه جليلا شاب مفرقه ** في عزة ليس من عز يدانيها
قد نوهوا باسمه في جاهليته ** و زاده سيد الكونين تنويها
في فتح مكة كانت داره حرما ** قد أمّن الله بعد البيت غاشيها
و كل ذلك لم يشفع لدى عمر ** في هفوة لأبي سفيان يأتيها
تالله لو فعل الخطاب فعلته ** لما ترخص فيها أو يجازيها
فلا الحسابة في حق يجاملها ** و لا القرابة في بطل يحابيها
و تلك قوة نفس لو أراد بها ** شم الجبال لما قرت رواسيها
(عمر و خالد بن الوليد)
سل قاهر الفرس و الرومان هل شفعت ** له الفتوح و هل أغنى تواليها
غزى فأبلى و خيل الله قد عقدت ** باليمن و النصر و البشرى نواصيها
يرمي الأعادي بآراء مسـددة ** و بالفـوارس قد سالت مذاكيـها
ما واقع الروم إلا فر قارحها ** و لا رمى الفرس إلا طاش راميها
و لم يجز بلدة إلا سمعت بـها ** الله أكبـر تـدْوي في نواحـيها
عشرون موقعة مرت محجلة ** من بعد عشر بنان الفتح تحصيها
و خالد في سبيل الله موقـدها ** و خالـد في سبيل الله صـاليها
أتاه أمر أبي حفـص فقبله ** كمــا يقـبل آي الله تاليهــا
و استقبل العزل في إبان سطوته ** و مجده مستريح النفس هاديها
فاعجب لسيد مخزوم وفارسها ** يوم النزال إذا نادى مناديـها
يقوده حبشي في عمامته ** ولا تحـرك مخزوم عواليـها
ألقى القياد إلى الجراح ممتثلا ** و عزة النفس لم تجرح حواشيها
و انضم للجند يمشي تحت رايته ** و بالحياة إذا مالت يفديها
و ما عرته شكوك في خليفته ** ولا ارتضى إمرة الجراح تمويها
فخالد كان يدري أن صاحبه ** قد وجه النفس نحو الله توجيها
فما يعالج من قول و لا عـمل ** إلا أراد به للنـاس ترفيـها
لذاك أوصى بأولاد له عمرا ** لما دعاه إلى الفردوس داعيـها
و ما نهى عمر في يوم مصرعه ** نساء مخزوم أن تبـكي بواكيـها
و قيل فارقت يا فاروق صاحبنا ** فيه و قد كان أعطى القوس باريها
فقال خفت افتتان المسلمين به ** و فتنة النفس أعيت من يداويها
هبوه أخطأ في تأويل مقصده ** و أنها سقطة في عين ناعيها
فلن تعيب حصيف الرأي زلته ** حتى يعيب سيوف الهند نابيها
تالله لم يتَّبع في ابن الوليد هوى ** و لا شفى غلة في الصدر يطويها
لكنه قد رأى رأيا فأتبعه ** عزيمـة منه لـم تثـلم مواضـيها
لم يرع في طاعة المولى خؤولته ** و لا رعى غيرها فيما ينافيها
و ما أصاب ابنه و السوط يأخذه ** لديه من رأفة في الحد يبديها
إن الذي برأ الفاروق نزهه ** عن النقائص و الأغراض تنزيها
فذاك خلق من الفردوس طينته ** الله أودع فيــها ما ينقيـها
لاالكبر يسكنها لا الظلم يصحبها ** لا الحقد يعرفها لا الحرص يغويها
(عمر و عمرو بن العاص)
شاطرت داهية السواس ثروته ** و لم تخفه بمصر و هو واليها
و أنت تعرف عمرا في حواضرها ** و لست تجهل عمرا في بواديها
لم تنبت الأرض كابن العاص داهية ** يرمي الخطوب برأي ليس يخطيها
فلم يرغ حيلة فيما أمرت به ** و قام عمرو إلى الأجمال يزجيـها
و لم تقل عاملا منها و قد كثرت ** أمواله وفشا في الأرض فاشيها
(عمر و ولده عبد الله )
و ما وقى ابنك عبد الله أينقه ** لما اطلعت عليها في مراعيها
رأيتها في حماه وهي سارحة ** مثل القصور قد اهتزت أعاليها
فقلت ما كان عبد الله يشبعها ** لو لم يكن ولدي أو كان يرويها
قد استعان بجاهي في تجارته ** و بات باسم أبي حفص ينميها
ردوا النياق لبيت المال إن له ** حق الزيادة فيها قبل شاريها
و هذه خطة لله واضعها ** ردت حقوقا فأغنت مستميحيها
مالإشتراكية المنشود جانبها ** بين الورى غير مبنى من مبانيها
فإن نكن نحن أهليها و منبتها ** فإنـهم عرفوها قـبل أهليـها
(عمر و نصر بن حجاج)
جنى الجمال على نصر فغـربه ** عن المدينة تبكيـه و يبكيـها
و كم رمت قسمات الحسن صاحبها ** و أتعبت قصبات السبق حاويها
و زهرة الروض لولا حسن رونقها *** لما استطالت عليها كف جانيها
كانت له لمة فينانة عجب *** علـى جبـين خليـق أن يحليـها
و كان أنى مشى مالت عقائلها ** شوقا إليه و كاد الحسن يسبيها
هتفن تحت الليالي باسمه شغفا ** و للحسان تمنٍّ في لياليها
جززت لمته لما أتيتَ به ** ففاق عاطلها في الحسن حاليها
فصحت فيه تحول عن مدينتهم ** فإنها فتنة أخشى تماديها
و فتنة الحسن إن هبت نوافحها ** كفتنة الحرب إن هبت سوافيها
(عمر و رسول كسرى)
و راع صاحب كسرى أن رأى عمرا** بين الرعية عطلا و هو راعيها
و عهده بملوك الفرس أن لها ** سورا من الجند و الأحراس يحميها
رآه مستغرقا في نومه فرأى ** فيه الجلالة في أسمى معانيها
فوق الثرى تحت ظل الدوح مشتملا ** ببردة كاد طول العهد يبليها
فهان في عينه ما كان يكبره ** من الأكاسر والدنيا بأيديها
و قال قولة حق أصبحت مثلا ** و أصبح الجيل بعد الجيل يرويها
أمنت لما أقمت العدل بينهم ** فنمت نوم قرير العين هانيها
(عمر و الشورى )
يا رافعا راية الشورى و حارسها ** جزاك ربك خيرا عن محبيها
لم يلهك النزع عن تأييد دولتها ** و للمنـيـة آلام تعـانيـها
لم أنس أمرك للمقداد يحمله ** إلى الجمـاعة إنذارا و تنبيـها
إن ظل بعد ثلاث رأيهم شعبا ** فجرد السيف و اضرب في هواديها
فاعجب لقوة نفس ليس يصرفها ** طعم المنية مرا عن مراميها
درى عميد بني الشورى بموضعها ** فعاش ما عاش يبنيها و يعليها
و ما استبد برأي في حكومته ** إن الحكومـة تغري مسـتبديـها
رأي الجماعة لا تشقى البلاد به ** رغم الخلاف و رأي الفرد يشقيها
(مثال من زهده)
يا من صدفت عن الدنيا و زينتها ** فلم يغرك من دنياك مغريها
ماذا رأيت بباب الشام حين رأوا ** أن يلبسوك من الأثواب زاهيها
و يركبوك على البرذون تقدمه ** خيل مطهمة تحـلو مرائيـها
مشى فهملج مختالا براكبه ** و في البراذين ما تزها بعاليـها
فصحت يا قوم كاد الزهو يقتلني ** و داخلتني حال لست أدريها
و كاد يصبو إلى دنياكم عمر ** و يرتضي بيـع باقيه بفانـيها
ردوا ركابي فلا أبغي به بدلا ** ردوا ثيابي فحسبي اليوم باليها
(مثال من رحمته )
و من رآه أمام القدر منبطحا ** و النار تأخذ منه و هو يذكيها
و قد تخلل في أثناء لحيته ** منها الدخان و فوه غاب في فيها
رأى هناك أمير المؤمنين على ** حال تروع لعمر الله رائيها
يستقبل النار خوف النار في غده ** و العين من خشية سالت مآقيها
(مثال من تقشفه و ورعه )
إن جاع في شدة قومٌ شركتهم ** في الجوع أو تنجلي عنهم غواشيها
جوع الخليفة و الدنيا بقبضته ** في الزهد منزلة سبحان موليها
فمن يباري أبا حفص و سيرته ** أو من يحاول للفاروق تشبيها
يوم اشتهت زوجه الحلوى فقال لها ** من أين لي ثمن الحلوى فأشريها
لا تمتطي شهوات النفس جامحة ** فكسرة الخبز عن حلواك تجزيها
و هل يفي بيت مال المسلمين بما ** توحي إليك إذا طاوعت موحيها
قالت لك الله إني لست أرزؤه ** مالا لحاجة نفـس كنـت أبغـيها
لكن أجنب شيأ من وظيفتنا ** في كل يوم على حـال أسويـها
حتى إذا ما ملكنا ما يكافئـها ** شـريتـها ثـم إنـي لا أثنـيها
قال اذهبي و اعلمي إن كنت جاهلة ** أن القناعة تغني نفس كاسيها
و أقبلت بعد خمس و هي حاملة ** دريهمات لتقضي من تشهيها
فقال نبهت مني غافلا فدعي ** هذي الدراهم إذ لا حق لي فيها
ويلي على عمر يرضى بموفية ** على الكفاف و ينهى مستزيدها
ما زاد عن قوتنا فالمسلمين به ** أولى فقومي لبيت المال رديها
كذاك أخلاقه كانت و ما عهدت ** بعـد النبـوة أخلاق تحـاكيها
(مثال من هيبته )
في الجاهلية و الإسلام هيبته ** تثني الخطوب فلا تعدو عواديها
في طي شدته أسرار مرحمة ** تثني الخطوب فلا تعدو عواديها
و بين جنبيه في أوفى صرامته ** فـؤاد والـدة تـرعى ذراريـها
أغنت عن الصارم المصقول درته ** فكم أخافت غوي النفس عاتيها
كانت له كعصى موسى لصاحبها ** لا ينزل البطل مجتازا بواديها
أخاف حتى الذراري في ملاعبها ** و راع حتى الغواني في ملاهيها
اريت تلك التي لله قد نذرت ** انشــودة لرسـول الله تهديـها
قالت نذرت لئن عاد النبي لنا ** من غزوة العلى دفي أغنيــها
و يممت حضرة الهادي و قد ملأت ** أنور طلعته أرجاء ناديها
و استأذنت و مشت بالدف و اندفعت ** تشجي بألحانها ما شاء مشجيها
و المصطفى و أبو بكر بجانبه ** لا ينكران عليها من أغانيـها
حتى إذا لاح من بعد لها عمر ** خارت قواها و كاد الخوف يرديها
و خبأت دفها في ثوبها فرقا ** منه وودت لو ان الأرض تطويها
قد كان حلم رسول الله يؤنسها ** فجاء بطش أبي حفص يخشيها
فقال مهبط وحي الله مبتسما ** و في ابتسامته معنى يواسيها
قد فر شيطانها لما رأى عمر ** إن الشياطين تخشى بأس مخزيها
(مثال من رجوعه إلى الحق )
و فتية ولعوا بالراح فانتبذوا ** لهم مكانا و جدوا في تعاطيها
ظهرت حائطهم لما علمت بهم ** و الليل معتكر الأرجاء ساجيها
حتى تبينتهم و الخمر قد أخذت ** تعلو ذؤابة ساقيها و حاسيها
سفهت آراءهم فيها فما لبثوا ** أن أوسعوك على ما جئت تسفيها
و رمت تفقيههم في دينهم فإذا ** بالشرب قد برعوا الفاروق تفقيها
قالوا مكانك قد جئنا بواحدة ** و جئتـنا بثـلاث لا تباليـها
فأت البيوت من الأبواب يا عمر ** فقد يُزنُّ من الحيطان آتيها
و استأذن الناس أن تغشى بيوتهم ** و لا تلم بدار أو تحييها
و لا تجسس فهذي الآي قد نزلت ** بالنهي عنه فلم تذكر نواهيها
فعدت عنهم و قد أكبرت حجتهم ** لما رأيت كتاب الله يمليها
و ما أنفت و إن كانوا على حرج ** من أن يحجك بالآيات عاصيها
(عمر و شجرة الرضوان)
و سرحة في سماء السرح قد رفعت ** ببيعة المصطفى من رأسها تيها
أزلتها حين غالوا في الطواف بها ** و كان تطوافهـم للدين تشويـها
( الخاتمه )
هذي مناقبه في عهد دولته ** للشاهدين و للأعقـاب أحكيـها
في كل واحدة منهن نابلة ** من الطبائع تغذو نفـس واعـيها
لعل في أمة الإسلام نابتتة ** تجلو لحاضرها مـرآة ماضيـها
حتى ترى بعض ما شادت أوائلها ** من الصروح و ما عاناه بانيها
وحسبها أن ترى ما كان من عمر ** حتى ينبه منها عين غافـيها
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق