الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ، ولم يكن له شريك في الملك ، ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيراً . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، أنزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً . وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، أرسله الله إلى الناس كافة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً ، فبلغ الرسالة وأدى الأمانة حتى أتاه اليقين من ربه صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد : فيقول الله سبحانه وتعالى : { فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون } .
أيها الفضلاء: إن المسلم في هذه الحياة الصاخبة ابتلاء وامتحاناً يعايش فتنا مدلهمة وضغوطاً قائمة ضغوط نفس وضغوط هوى وضغوط منصب وضغوط أهل ومال وعشيرة ضغوط فتن كبرى ومغريات عظمى كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً يبيع دينه بعرض من الدنيا ولا حول ولا قوة إلا بالله .
إني بليت بأربــــع ما سلطـــوا إلا لعظم بليتـــي وعنــــــائي
إبليس والدنيا ونفسي والهوى كيف الخلاص وكلهنْ أعدائي.
وإنه لا مخرج للمؤمن من هذه الفتن ولا مناص له منها إلا بالتحصن والتوقي منها وذلك سهل ويسير على من يسره الله عليه على من شرح صدره للإسلام على من يطمع ليلحق بركب الله ويحشر مع أولياء الله وينعم مع رسل الله وما أجملها من غاية وما أكرمه من مطلب وذلك بالاعتصـام بكتـاب الله تعـالى وسنـة رسوله ــ صلى الله عليه وسلم ــ بكتاب الله الذي يقول سبحانه فيه : { واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا } ، ويقول : { ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم } ، ويقول : { إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم } ، ويقول : { شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه } ، ويقول ــ صلى الله عليه وسلم ــ : « من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد » وفي رواية لمسلم « من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد » ، ويقول فيما رواه الإمام مسلـم ــ رحمه الله ــ : « إن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي رسول الله وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة » ، ويقول فيما رواه البخاري ــ رحمه الله ــ : « ثلاثة يبغضهم الله : ملحد في الحرم ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية ومطلب دم امرئ مسلم ليهرقه بغير حق » .
فاتقوا لله أيها الفضلاء أيها الشباب أيها الراغبون في أن تكونوا في مأمن أمين وحصن حصين من فتن عصركم ومغرياته وأن تلقوا بركب الأنبياء إن عشتم عشتم سعداء وإن متم متم شهداء اتقوا الله بالاعتصام بكتاب الله وسنة رسول الله بالانضمام قلباً وقالباً روحاً وعملاً إلى ما ترونه ملتزماً لهما ترى أعماله وأقواله ومعاملاته صورة ناطقة حية داعية إليهما .
ولن يتحقق لكم ذلك فرادى أو جماعات ولن تلتقوا على كلمة الله ومنهاجه وصراطه الذي قال فيه سبحانه : { وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله } ، إلا إذا سلكتم في تحصيلكم وبحثكم واستدلالكم والتزامكم مسلك أهل السنة والجماعة مسلك أهل الحديث فما وايم الله تفرقت الأمم وأصبحت دويلات وأمماً في سياستها وقيادتها ، وأمماً في مذاهبها ، وأمماً في طرقها وأساليبها بعد أن كانت أمة واحدة يسعى بذمتهم أدناهم ويجير عليهم أقصاهم ، إلا لما أصبح لكل منها دولة وطريقة ومنهاج فتفرقت بهم السبل ومالت بهم الأهواء وتلاعبت بهم الشياطين إلا من شاء الله وقليل ما هم .
فلنعد إلى الله وإلى دينه الحق الذي أنزله وما اختلفنا فيه من شيء نحكم فيه قول الله سبحانه : { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنـون بالله واليوم الآخر ذلك خـير وأحسن تأويلاً } .
وبهذا تحصنون وتلحقون بالفرقة الناجية التي قال فيها عليه الصلاة والسلام : « لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك » .
قـال ابن المبـارك وعـلي بن المــديني وأحمـد بن سنان والبخـاري ــ رحمهم الله ــ : إنهم أهل الحديث أي الطائفة المنصورة ، وقال يزيد ابن هارون وأحمد بن حنبل ــ رحمهما الله ــ : إذا لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم .
وبغير هذا التحصن وهذا التوقي يصبح من فقدهما من حاكم أو محكوم أو فرد أو جماعة أو عامي أو طالب علم معرضاً لفتن وضغوط ومغريات عصره والمعصوم من عصمه الله .
فنسأل الله أن يشرح صدورنا للإسلام وأن يثبتنا بقوله الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة وأن يجعل آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
04/04/2008
توقي أسباب الفتن
توقي أسباب الفتن
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
اخْتَرْالموضوعَ الذى تَوَدُّ قِرَاءَتَهُ
هذه ليست بلادى
احسب وزنك
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق