بيان لجبهة علماء الأزهر : ذكرى وما كنا ظالمين
فلسطين ليست بدار كفر ولا الفلسطينيون بأعداء لنا
07 / 07 / 2008
إن هذا الحصار المقيت لها ليس له ما يبرره شرعا ولا عرفا حتى ولا قانونا حتى يستنفر لهم جنود الأمن المركزي وتغلق في وجوههم أبواب الرحمة ، ويعاملوا منا بتلك المعاملة التي لا نعامل بها المجرمين اليهود ..
لم نرحم صغيرا لصغره،ولا طاعنا لهرمه، ولا مريضا لمرضه، ولا عجوزا لضعفها ،غلقت في وجوههم أبواب الرحمة بغير حق، حاصرناهم و الحصار غير جائز شرعا إلا للكافرين المعتدين على وفق ما أجمع عليه علماء الأمة وهداتها، إذ الحصار عندهم "هو التضييق على العدو والإحاطة به في بلد أو قلعة،أو حصن،أو غيرها،ومنع الخروج أو الدخول حتى يستسلم" روضة الطالبين 1/244،وأسمى المطالب 4/90. حتى ولو كان هؤلاء الفلسطينيون على سبيل الفرض المستبعد بغاة لما جاز لنا أن نمنعهم الطعام والشراب والدواء،حيث المقصود من قتال البغاة شرعا هو ردهم إلى الطاعة ،وإلزامهم حق الجماعة وليس إهلاكهم بالتعطيش والمجاعة" روض الطالب 4/115. ثم إن هؤلاء المحاصرين منا ومن اليهود ليسوا بغاة، وليسوا مجرمين ،بل هم أصحاب الحق المضيق عليهم فيه، المطاردون عنه ، المفزعون به، إنهم إن لم يكونوا لنا إخوانا فهم لنا سند وجيران، لقد كانوا هم الضحية لاستهداف مصر بتقزيم حضورها في المنطقة بأكثر مما كانت عبئا عليها - كما ذكر الأستاذ فهمي هويدي صحيفة الدستور 30 من يناير 2008م، 22 من المحرم 1429هـ.
وما ندري –ولسنا نخال ندري- سر الحرص من حكومتنا على أن تأتي سياساتها مع تلك القضية الآن متحررة من قواعد الشرع التي ينبغي أن تكون هي من أحرص الناس عليها، لأنها من أرضها نطق الحق من قبل، ومن أزهرها الشريف الذي لا شرف لها بغيره رفعت راية الشرع في تلك القضية التي يُتغافل عنها ويراد لها أن تتحلل منها حتى تلبس لكل حال مسوحا، تجعل الناظر لها يستحضر فيها وعندها قول بديع الزمان الهمداني:
أرى الناس خُدَّاعا إلى جانب خُدَّاعٍ
يعيشون مع الذئب ويبكون مع الراعي
إذا كانت أمريكا –كما يقول الديبلوماسي الأمريكي" ويل يرد سيريت" تصنع السياسة من المال[ السيطرة الصامتة 95]، وأريد لنا أن نصنع سياستنا من الهوان، فهل ضاق عن المظلومين في فلسطين حتى هذا الهوان أن يتساووا فيه مع اليهود؟ ؟ إن الإسرائيليين بمقتضى اتفاقية هوان الكامب أُعطوا منا الحقَّ أن يدخلوا إلى جنوب سيناء لمدة خمسة عشر يوما بدون تأشيرات- الأستاذ هويدي مصدر سبق-،وإن العالم العربي –كما قال نعوم شومسكي- اختار في أوسلو ومدريد أن يخدع نفسه"الدول المارقة 59، فلماذا يأخذ المجرمون منا كل مايشاءون ونضن بحق الحياة على إخواننا وأبنائنا بفلسطين المنكوبين بنا وبأعدائهم وأعداء ديننا وربنا؟ ،إنه لأمر مضيع للكرامة،محبط للعمل، مناف للإيمان، مستوجب نفي صاحبه من سجل أهل الإسلام –على وفق ما جاء بالفتوى الصادرة عن لجنة الفتوى بالأزهر الشريف برئاسة صاحب الفضيلة مفتي الديار المصرية الأسبق الشيخ عبد المجيد سليم في الرابع عشر من شعبان سنة 1366هـ 3 يوليو 1947 م ، وهذه هي نص الفتوى بسؤالها على رجاء مراجعة السياسات والمواقف على ضوئها ،فإن الشرع هو الشرع لم يتغير .
الجامع الأزهر
لجنة الفتوى
بسم الله الرحمن الرحيم
جاء إلى لجنة الفتوى بالجامع الأزهر الشريف الاستفتاء الآتي: المرجو بيان الحكم الشرعي في كل شخص يبيع أرضه لليهود،أو يعمل سمسارا لترويج ذلك البيع، أو يعينهم على الوصول إلى مآربهم من امتلاك البلاد، وجعلها دولة يهودية بأي نوع من أنواع الإعانة والتعاون، فهل يرتد بذلك عن دينه،ويعامل معاملة المرتدين،من الحكم بطلاق زوجته،واحتقاره، ونبذه،وعدم الصلاة عليه،وعدم دفنه في مقابر المسلمين؟
الجواب
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد المرسلين،سيدنا محمد وعلى آله وصحبه،ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد
فتفيد اللجنة بأن من أعظم الجرائم إثما، وأشد المنكرات مقتا عند الله ؛أن يتخذ المسلم له أولياء من أعداء دينه المناوئين له، المعتدين على أهله، أو يمكن لهم بفعله من إيذاء المسلمين في دينهم، والاحتيال على سلب أموالهم ،وتجريدهم من أرضهم وديارهم، واتخاذ ذلك وسيلة إلى إضعاف أمرهم، وكسر شوكتهم، وإزالة دولتهم،وإقامة دولة غير إسلامية تتسلط عليهم بالحيلة أو القهر، وتنشر سلطانها عليهم بالأمر والنهي.
وقد شدد الله النكير على من يتولون أعداء الدين، أو يتخذون لهم بطانة من دون المؤمنين، قال تعالى( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياءَ تُلقون إليهم بالمودةِ وقد كفروا بما جاءكم من الحقِّ يخرجون الرسول وإياكم ان تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي تُسِرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل. إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداءً ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون. لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم). وقال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون).
لم يكتف القرآن بالنهي عن موالاة المعتدين من غير المؤمنين،وتحريم موادَّتهم، بل جعل ذلك منافيا للإيمان،ونفى صاحبه من سجل أهل الإسلام ،اقرأ قوله تعالى( لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادُّون من حادَّ الله ورسولَه ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو عشيرتهم)، وقوله عز وجل( لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين،ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء).
ولا شك أن من يعملون على إيذاء المسلمين في دينهم؛ويتخذون مختلف الوسائل للتسلط عليهم بالقوة أو الحيلة لإذلالهم وإخضاعهم لسلطان غير سلطان دينهم هم من شر من يُحادُّون الله ورسوله .
كما لا شك أن بذل المعونة لهؤلاء؛ وتيسير الوسائل التي تساعدهم على تحقيق غاياتهم التي فيها إذلال المسلمين، وتبديد شملهم، ومحو دولتهم؛أعظم إثما ؛وأكبر ضررا من مجرد موالاتهم؛ وموادَّتهم التي حكم الله بمنافاتها لخالص الإيمان.
فالرجل الذي يحسب نفسه من جماعة المسلمين؛ إذا أعان أعداءهم في شيء من هذه الآثام المنكرة؛ وساعد عليها- مباشرة أو بواسطة- لا يُعدُّ من أهل الإيمان ، ولا ينتظم في سلكهم، بل هو- بصنيعه- حرب عليهم، منخلع من دينهم، وهو -بفعله الآثم- أشد عداوة من المتظاهرين بالعداوة للإسلام والمسلمين.
فعلى المسلمين أن يتبينوا أمرهم، ويأخذوا حذرهم،ويثوبوا إلى رشدهم، فيصلحوا من شأنهم، ويتبعوا هدي القرآن في حفظ كيانهم، وتقوية دولتهم، وأن تكون شؤون دينهم وأوطانهم أحب إليهم من كل شيء حتى لا يدخلوا في أهل الوعيد الذي جاء في قوله تعالى( قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره).
عليهم أن يقتفوا في ذلك سيرة نبيهم ،ويسيروا على ما رسم لهم من خطط صالحة، فيوالوا المؤمنين،ويبروا المسالمين من غير المسلمين، ويعادوا من عادى الله أو مكر بأهل دينه ؛وسعى في إيذائهم؛ والتضييق عليهم في أوطانهم، وعمل على تفريق وحدتهم؛وتمزيق جماعتهم.
وعلى المسلمين أن يعادوا هؤلاء،وينبذوهم،ويقاطعوهم في متاجرهم؛ ومصانعهم؛ومساكنهم؛ومجتمعاتهم،وأن يصنعوا هذا الصنيع مع كل من يوالي هؤلاء الأعداء أو يعينهم على مآربهم؛ويمهد لهم السبيل التي يصلون منها إلى أغراضهم.
ولقد قاطع الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنون نفرا من الصحابة تخلفوا عن غزوة تبوك ؛ونبذوهم، فكانوا لا يخالطونهم في اجتماع،ولا يشاركونهم في شأن ،وتجنبوا مؤاكلتهم،ومجالستهم؛والسير معهم ،والسلام عليهم.
إن هؤلاء المُتَخَلِّفين لم يُعِينُوا على المسلمين عدوا،ولم يمهدوا لأعداء الدين طريق الكيد والمكر لأهل الدين، ولم يبيعوهم ما يتقوُّون به عليهم؛ويشتد بهم سلطانهم، ولم يأتوا بأي عمل إيجابي يُعَدُّ معاونة للأعداء.
ثم إنهم كانوا قلة ضئيلة لم يستوجب تخلُّفُهُم خُذْلانَ جيش المسلمين أو انتقاص أمره، وكل ما كان منهم أن تخلفوا عن الغزو مع قدرتهم عليه،ومع ذلك نبذهم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وقاطعوهم مقاطعة مكثوا خمسين يوما يتحرقون بآلامها،وتتلظى قلوبهم بالندم والحسرة من أجلها حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت،وضاقت عليه أنفسهم،وظنوا أن لا ملجأ لهم من الله إلا إليه،ثم تاب الله عليهم وعفا عنهم.
هذا شأن الله فيمن لم يكن منه إلا مجرد التخلف عن جهادٍ لم يُغِرِ الأعداء فيه بالفعل على بلاد المسلمين، فما بالنا بمن يتصدى لمعاونة الأعداء،ويمكنهم من تثبيت أقدامهم في بلاد الإسلام والمسلمين.
لا يشك مسلم ان من عاون الأعداء بأي ضرب من ضروب المعاونة يكون أعظم جرما ؛واكبر إثما ممن ترك الجهاد وهو قادر عليه.
ولا يشك مسلم أيضا أن من يفعل شيئا من ذلك فليس من الله ولا رسوله ولا المسلمين في شيء، والإسلام والمسلمون براء منه، وهو بفعله قد دلَّ على أن قلبه لم يمسه شيء من الإيمان، ولا محبة الأوطان. والذي يستبيح شيئا من هذا بعد ان استبان له حكم الله فيه يكون مرتدا عن دين الإسلام ،فيفرق بينه وبين زوجه،ويحرم عليها الاتصال به،ولا يُصلَّى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين. وعلى المسلمين أن يقاطعوه:فلا يسلموا عليه،ولا يعودوه إذا مرض، ولا يشيعوا جنازته إذا مات،حتى يفيء إلى أمر الله،ويتوب توبة يظهر أثرها في نفسه وأحواله،وأقواله وأفعاله.
والله أعلم
رئيس لجنة الفتوى
إمضاء:
عبد المجيد سليم.
وقد نشرت بمجلة الفتح العدد 846، العام السابع عشر، الصفحة العاشرة.
ثم الشكر منا والثناء المستحق لاتحاد الجامعات البريطانية ومنظمة الفنانين الأيرلنديين ونقابة الصحفيين والأطباء البريطانيين، نشكرهم جميعا على وقفتهم الإنسانية مع هذا الشعب المكلوم من أبنائه وجيرانه مع ما يقع على رأسه آناء الليل وأطراف النهار من أعدائه الصهاينة اليهود أعداء الحياة والإنسانية والأخلاق الحميدة ، وكم كنا نود أن نرى مثل تلك المواقف من حكوماتنا المحسوبة علينا و المسارعة في مرضاة أعدائنا ،المتسلطين على حق أمتنا في الحياة.
صدر عن جبهة علماء الأزهر غرة رجب الفرد صبيحة الجمعة 1429 هـ الموافق 4 يوليو 2008
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق