من مواقف الرجال
1- مؤمن آل فرعون:
مؤمن آل فرعون كان وحيداً لكنه كان رجلاً: ﴿وقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وإن يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وإن يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُم بَعْضُ الَذِي يَعِدُكُمْ إنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ﴾.
انظر إلى هذا الرجل الذي وقف كالجبل وأظهر إيمانه في وقت كان لابد وأن يظهر ويقف أمام طاغية ومدّعٍ للربوبية وتسانده حاشية سوء، ثم يقوم الرجل بتذكير قومه ويخوفهم من بأس الله ويدعوهم إلى الله وإلى الإيمان به -سبحانه وتعالى- ولكنهم يدعونه إلى الكفر والإشراك بالله ويدعوهم إلى الجنة والمغفرة ويدعونه إلى النار وبئس المصير، ويتكرر هذا الموقف في كل عصر وأمام كل طاغية. إنها الرجولة الحقة بكل معانيها.انظر إلى هذا الرجل .. الذي وقف كالجبل وأظهر إيمانه في وقت كان لابد وأن يظهر ويقف أمام طاغية ومدّعٍ للربوبية وتسانده حاشية سوء ، ثم يقوم الرجل بتذكير قومه ويخوفهم من بأس الله ويدعوهم إلى الله وإلى الإيمان به – سبحانه وتعالى - ولكنهم يدعونه إلى الكفر والإشراك بالله .. ويدعوهم إلى الجنة والمغفرة
ويدعونه إلى النار وبئس المصير .. ويتكرر هذا الموقف في كل عصر وأمام كل طاغية .
2- عمر بن الخطاب:
كان إسلام عمر حدثًا كبيرًا، وُجدت رجولته في اللحظة الأولى من إسلامه، فبعد أن كان المسلمون لا يجرؤون على الجهر بدينهم جهروا به، قال ابن مسعود : (ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر).
لم تكن رجولة عمر في قوة بدنه، ولا في فروسيته، ففي قريش من هو أقوى منه، ولكن رجولته كانت في إيمانه القوي، ونفسه الكبيرة التي تبعث على التقدير والإكبار. هاجر الصحابة خفية، أما عمر فقد تقلد سيفه ومضى إلى الكعبة فطاف وصلى في المقام، وأعلن هجرته على الملأ وقال لهم: (من أراد أن تثكله أمه ويُيتِّم ولدَه ويُرمل زوجته فليتبعني وراء هذا الوادي) ، فما تبعه منهم أحد. يضع عمر البرامج لتعليم الرجولة فيقول: (علموا أولادكم الرماية والسباحة وركوب الخيل، وروُّوهم ما يُجَمِّل من الشِّعر).
3- محمد الفاتح:
ومن الرجال قول النبي - r- فيما رواه الإمام أحمد في مسنده من حديث عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بِشْرٍ الْخَثْعَمِيُّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - r- يَقُولُ: ((لَتُفْتَحَنَّ الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ فَلَنِعْمَ الْأَمِيرُ أَمِيرُهَا وَلَنِعْمَ الْجَيْشُ ذَلِكَ الْجَيْشُ)) سمع الطفل محمد الفاتح هذا الحديث وكبر في ذهنه حتى إذا بلغ السبعة عشر ربيعاً حان الوقت الذي يحقق فيه حلم المسلمين، وتحقيق حديث رسول الله - r- وكان.
لقد حاول المسلمون منذ القرن الأول فتح القسطنطينية مرات عديدة، وقد قتل الصحابي أبو أيوب الأنصاري تحت أسوارها، وادُّخِر فتحها لهذا السلطان العثماني الذي كان نعم الأمير وجيشه نعم الجيش. إنها الرجولة الحقة بكل معانيها.
4- سيد قطب (صاحب الظلال ):
ومن مواقف الرجال: موقف صاحب الظلال -رحمه الله-، عندما طُلب منه أن يؤيد العبد الخاسر بكلمات يكتبها فقال -رحمه الله-: "إن السبابة التي أشهد بها في كل صلاة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله لا يمكن أن تكتب سطراً فيه ذل أو عبارة فيها استجداء". وعندما سِيق -رحمه الله- إلى حبل المشنقة يوم 29 من أغسطس عام 1966م كان من المعتاد أن يحضر شيخ ليلقّن الذي ينفَّذ فيه حكم الإعدام الشهادتين، فقال له -رحمه الله-: "إنني لم أقف هذا الموقف إلا من أجل لا إله إلا الله محمد رسول الله"! فهناك أناس يأكلون الخبز بلا إله إلا الله وآخرون يقدمون رؤوسهم إلى المشانق من أجل لا إله إلا الله!. إنها الرجولة الحقة بكل معانيها ﴿مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ ومِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ومَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾. إنها الرجولة الحقة بكل معانيها.
5- الشعب الأفغاني:
وقد تتمثل الرجولة في شعب من الشعوب كالشعب الأفغاني مثلاً: هذا الشعب البطل الذي لم يرضَ بالاحتلال الروسي لأرضه كما لم يرض من قبل بالاحتلال الانجليزي، ووقف وحيداً في حلبة الصراع مع أول أو ثاني دولة على مستوى العالم في وقته! فقدم من التضحيات والبذل والشجاعة والرجولة ما حيّر العالم، وضحى بمئات الآلاف من الرجال نحسبهم شهداء عند الله تعالى. وما يزال هذا الشعب البطل يقف اليوم كالجبل أمام تحديات ضخمة ومؤامرات ماكرة تكاد له في وضح النهار، وقد أعلنوها صريحة بأنها حرب صليبية هدفها ضرب الإسلام في كل مكان، وإن زخرفت بدعاوى أخرى يعرف كذبها قائلوها قبل سامعوها. وإن الأمة اليوم متفائلة بما تحمله الأيام القادمة وذلك بأن يكسر قوى الشر وأن يمزق الله الرأسمالية كما مزق الشيوعية الحمراء قبلها وما ذلك على الله بعزيز. وقد يسأل سائل فيقول:
هل بعد هذا الليل من إسفارِ *** أم يا ترى سيظل في استمرارِهل بعده نور سيسطع في الدنا *** ومتى فقد تقنا إلى الأنوارولقد مللنا العيش تحت ظلامه *** ولقد سئمنا كثرة الأكدارفي كل يوم دمعنا متصبب *** في كل يوم نكتوي بالنار فمتى الظلام سينمحي من أرضنا *** فنعيش في فرح وفي استبشاربل ما هو الحل الذي نحيا به *** في عزةٍ ومهابةٍ ووقار؟
فيجيب هذا الشعب فيقول:
يأتي الجواب ولا جواب مكانه *** لا حل غير الصارم البتارفبه نعيش مدى الزمان أعزة *** وبه سنكسر شوكة الكفارهذا هو الحل الوحيد ودونه *** ذلٌّ وعيش مهانةٍ وصغاروبه سنسحق كل نذلٍ كافرٍ *** وبه سنغدوا سادة الأمصار
إنها الرجولة الحقة بكل معانيها.
6- أطفال الحجارة:
الحديث عن الرجولة في العصر الحاضر يذكرك أطفال الحجارة، هم أطفال في أجسامهم، أبطالٌ في أفعالهم، رجال في مواقفهم، هم بحقٍ يصدق فيهم وصف الرجولة، فقد تربوا على مائدة القرآن، يجاهدون في سبيل الله، وغيرهم يجاهد بالخطب الرنانة، والعبارات المخدرة، إن كثيراً من هؤلاء لم يصلوا إلى مستوى الرجل الطفل، طفل الحجارة.
رجولة تأبى الطغيان والاستسلام للمعتدين، لا يهابون طلقات القذائف، بل يتصدون لها بصدورهم وقلوبهم حتى يُحرر القدس الشريف، إنها هِمَمُ رجال ترفض المهانة والذل. هؤلاء الأطفال أُعتقل آباؤهم، وهُدّمت بيوتهم، وهم يشهدون ذلك بناظريهم إن هذا الطفل لا يملك سوى حجر، لكنه يرى نفسه شامخاً يتحدى دبابة الاحتلال دون خوفٍ أو وجل. والأمهات يباركن خطوات فلذات أكبادهن نحو الموت والشهادة.
صَبر هذا الشعب طويلاً وقدّم تضحياتٍ جسيمة، ودماؤه تُراق على أرض فلسطين، وهم بأحجارهم وعصيهم وقفوا ضد اعتداء الغاصبين الذين نهبوا الأموال وقتّلوا الأبرياء ونقضوا العهود والمواثيق.
ذلك العملاق هو رجل بحق؛ لأنه الوحيد الذي عرف الطريق لتحرير المسرى والأرض من النهر إلى البحر، ذلك الطفل الذي تربى على مائدة القرآن الكريم داخل المساجد الذي يريد أن يحقق ما جاء في سورة الإسراء من وعد بالنصر حتى يقول الحجر والشجر: يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله، ذلكم الطفل هو أفضل من الذين يجاهدون بالخطب في هيئة الأمم والمحافل التي تدّعي أنها سوف تقاتل إسرائيل بالسلام! إن جميع المنظمات لم تصل إلى مرتبة ذلكم العملاق الرجل الطفل، طفل الحجارة.
لقد سجل أبناء تلك الأرض بطولات وتضحيات لا تتوقف أمام ذلك الصلف اليهودي الذي أقدم وما يزال على أبشع ما عرفت البشرية من وحشية. لماذا يُحجم العالم الذي يزعم أنه متحضر عن ردع المعتدي، والأخذِ على يديه، أين المعاهدات؟ أين المواثيق التي تنص على ضمان السلام والتقليل من الجرائم؟ أين الأخذ على يد المعتدي ونصرة المظلوم؟ أين دعاة السلام والداعون له؟ أين المنظّرون لثقافته؟ أين محاربة الإرهاب في العالم؟ وهذه المذابح والبنادق والصواريخ تُخرب الديار وتحرق القلوب والأجساد، أجساد الشيوخ الركع والأطفال الرضع.
إن هذه الدماء لن تثمر بإذن الله إلا نفوساً أبيّة لن ترضى الدنيّة في دينها. ولتسقط تلك الدعاوى الساقطة، ولتنكسر تلك الأقلام الهزيلة التي مازالت تُزيّن السلام غير العادل بزينة كالحة، لقد عاهدت الأمة الإسلامية ربها أن تظل القدس جوهر عقيدتها، في قلوبنا وعقولنا ومشاعرنا، بل هي فوق كل الاعتبارات الآنية والمصالح الدنيوية، لن نفرط في ذرة من ترابها، ولا سلام ولا استقرار بدونها، وكل الممارسات التي يمارسها العدو من استيطان وتهويد هي أمور غير شرعية، نرفضها وترفضها الأمة كما ترفض الاحتلال ذاته.
إن أرض فلسطين إسلامية وستبقى كذلك مهما تكالبت عليها الخطوب ﴿إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾
وسيبقى الكفاح وتدوم التضحية حتى تعود الأرض إلى أصحابها الشرعيين.
إن واجب المسلمين نحو القدس استند إلى القرآن والسنة النبوية، وربطت رحلة الإسراء والمعراج مشاعر المسلمين بهذه الأرض، فقضية القدس ليست قضية تتعلق بالأرض، بل يجب أن تبقى قضية إسلامية تعني الأمة، كل الأمة، وذمّة المسلمين لن تبرأ إلا إذا عملت على تطهير المدينة التي تشرفت برحلة الإسراء والمعراج، وإعادتها إلى قيادة المسلمين ﴿وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾
نحتاج إلى رجال يبصرون الناس بالدين، إلى رجال يكونون قدوة للناس، إلى رجال يثبتون الناس على شرع الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق