سمات الرجولة
1) الذكر الدائم لله عز وجل:
الرجولة هو أن لا تشغلك الدنيا عن الآخرة، بنص قول الله تعالى: ﴿في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار﴾.
كان رسول الله عليه الصلاة والسلام يخطب على المنبر، فجاءت عير، فخرج الأصحاب ولم يبق إلا اثني عشر، فقال عليه الصلاة والسلام: ((والله لو تتابعتم فلم يبق منكم أحد، لسال بكم الوادي نارا))، وأنزل الله قوله تعالى: ﴿ وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين﴾.
2) أن تقدم طاعة الله على المال وعلى الولد:
يقول الله تعالى: ﴿المال والبنون زينة الحياة والدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا ﴾. ويقول عليه الصلاة والسلام: ((استكثروا من الباقيات الصالحات))، قالوا: وما هن يا رسول الله؟ قال: ((التكبير والتحميد والتهليل والتسبيح ولا حول ولا قوة إلا بالله هي الباقيات الصالحات)). أخرجه ابن جرير عن أبي هريرة
الإمام الالوسي يقول في تفسير هذه الآية: الأموال والأولاد سريعا الزوال، وذكر الله ليس كذلك، والمال قد يكون وبالا على صاحبه لكثرة أصحاب الحقوق فيه، والولد قد يعق وقد يفسد ولا تنتفع به في الدنيا ولا في الآخرة.
3) التواضع لا التكبر:
جاء ضيف إلى عمر بن عبد العزيز ، فكاد السراج أن ينطفأ، فقال الضيف: يا أمير المؤمنين أقوم فأصلحه؟ فقال عمر بن عبد العزيز: ليس من كرم الرجل أن يستخدم ضيفه، قال: أوقظ الغلام؟ قال: إنها أول نومته، ثم قام عمر بن عبد العزيز وأصلح السراج ثم عاد، فقال الضيف: أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز يصلح سراجه!! قال: قمت وأنا عمر بن عبد العزيز وعدت وأنا عمر بن عبد العزيز. أي لم ينقص هذا الأمر من قدري، بل ازداد قدرا عند الله عز وجل ومن تواضع لله رفعه.
4) الرجولة في العفو لا في الانتقام:
مسطح بن أثاثة كان ممن تكلم في أمر عائشة في حادثة الإفك، وحادثة الإفك ملخصها: أن رسول الله كان إذا خرج في غزوة أقرع بين نسائه، فإذا خرجت القرعة على إحداهن يأخذها معه في سفره تخدمه، وخرجت القرعة على عائشة.
لما قفل الجيش وعاد، خرجت عائشة بعد أن نزل الجيش في مكان لبعض شأنها، فلما عادت إذا بالجيش قد ارتحل، فجلست في مكانها تنتظر، وكان هناك صحابي يقال له صفوان بن المعطل كان ينتظر آخر الجيش، فإذا كان الجيش قد نسي متاعا مثلا يأخذه معه، لما رأى عائشة رضي الله عنها - وكان قد رآها قبل فرض الحجاب - قال: أم المؤمنين. هنا فأناخ بجمله فركبت ولحق بالجيش، فلما وصل الجيش تفقدوا الهودج الذي فيه عائشة فلم يجدوها، فلم يمض وقت قليل إلا وصفوان بن المعطل جاء وهو يسوق الجمل وعليه عائشة، فتكلم رأس المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول وطعن في عرض رسول الله عليه الصلاة والسلام أن هناك صلة ما بين عائشة وصفوان.
وممن وقع في هذا الأمر مسطح، وكان فقيرا وكان أبو بكر ينفق عليه وهو يطعن في بنت أبي بكر ، وبعد أن نزلت آيات البراءة في سورة النور، أقسم أبو بكر ألا ينفق على مسطح بعد ذلك أبدا. فأنزل الله تعالى قوله:﴿ ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم ﴾) فقال أبو بكر : بلى يا رب نحب، أن تغفر لنا. فأعاد نفقته على مسطح.
5- لا تلهيهم تجارة:
مر عمرو بن دينار رحمه الله ومعه سالم بن عبد الله ، قال: [ كنت مع سالم بن عبد الله ونحن نريد المسجد، فمررنا بسوق المدينة ، وقد قاموا إلى الصلاة، وخَمَّروا متاعهم، فنظر سالم إلى أمتعتهم ليس معها أحد ] لم يجلسوا أمامها ليحرسوها، أو لينظروا فيها، أو أغلقوا الدكاكين وقعدوا على الرصيف في الطريق ينتظرون متى تنتهي الصلاة حتى يكون كل واحد منهم أول من يفتح الدكان، تركوا أمتعتهم في الشارع، وغطوها في السوق، وذهبوا إلى المسجد [ فنظر سالم إلى أمتعتهم ليس معها أحد، فتلا هذا الآية: ﴿ رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ﴾ ، ثم قال: هم هؤلاء ] هؤلاء الذين عنى الله بقوله في هذه الآية، هؤلاء الذين قدموا مراد الله على مراد أنفسهم، وآثروا طاعة الله على المتاع الدنيوي الزائل، آثروا الاستجابة لهذا النداء العلوي الرباني: حي على الصلاة، حي على الفلاح، على نداء الجشع والطمع الذي يثيره الشيطان، والنفس الأمارة بالسوء.
سبحان الله كم من الرجال اليوم يقعدون في محلاتهم ودكاكينهم، أو يدخُلون داخلها في حجر مخفية، فيقعد أحدهم في مكتبه وراء الطاولة يجيب على هذا الهاتف وهذا الرجل، ويكلِّم ويفاوض ويخفض ويرفع، ويترك نداء الله، يترك المسجد، لا يجيب داعي الله إليه، لماذا أيها الإخوة؟! هل يُسَمَّى هؤلاء رجالاً؟! كلا.
إنهم أشباه الرجال ولا رجال.
6- الدفاع عن أولياء الله :
هذه الرجولة التي يصفها الله تعالى في القرآن، أن مِن أهلها مَن يؤيد الرسل في دعوتهم ويناصرهم، ويبين للناس أن ما جاءت به الرسل هو الحق، ويعين الرسل ويساعدهم.
قال تعالى: ﴿ وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ ﴾ مَن الذي جاء؟ هل جاء جيش جرار، أو فئامٌ كثيرة من الناس؟ ﴿ وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ ﴾ جاء من آخر المدينة ﴿ رَجُلٌ يَسْعَى ﴾ يشتد، ولماذا جاء؟! ألأن هناك سوقاً أو حراجاً لا يريد أن يفوته منه شيء؟! ألآن هناك أسهماً تباع لا يريد أن يفوت منها شيء؟! كلا -أيها الإخوة- ﴿ قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ اتبعوهم، اتبعوهم هؤلاء الرسل ﴿ وَمَا لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ .
ثم يبين عرض حقائق العقيدة، التصورات النقية الصافية الخالية من شوائب الشرك، حتى توفاه الله عز وجل فقال: ﴿ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ﴾ .
فمن صفات الرجولة أن نكون نحن الذين نسمي أنفسنا رجالاً، أن نكون أعواناً للرسل، حرباً على أعداء الرسل، وليس حرباً على الرسل، أن نكون مؤيدين لدعوة الرسل، لا مثبطين عن دعوة الرسل، أن نكون مستجيبين لدعوة الرسل، متبعين لا عاصين ولا مبتدعين ولا معاندين.
هذه الصفة كم من الرجال من يمتلكها اليوم؟! كم من الرجال من يؤيد دعوة الرسول r؟! إنهم قليل.
وفي حال الخوف يتقدم الرجال بالنصح لله عز وجل، رغم الخوف الذي يكتنفهم، وأجواء الإرهاب التي تحيط بهم، فيقومون بواجب النصيحة رجل واحد يفعل أفعالاً لا تفعلها أمة بأسرها، رجل واحد يعدل غثاءً، بل إنه يرجح على هذا الغثاء المترامي الأطراف، الذي لا يجمعه تصور واحد، ولا منهج واحد، ولا عقيدة واحدة، يقوم هؤلاء الرجال بواجب النصح لله عز وجل، ويحذرون أولياء الله من المخاطر التي تحدق بهم.
7- تقديم النصيحة في حال الخوف:
قال الله تعالى: ﴿ وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى ﴾ يشتد من أقصى المدينة، لم يقعد به طول المسافة، ولا بُعد الطريق، جاء يسعى ويشتد، لقد كان هذا الرجل مؤمناً.
﴿ قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ ﴾
يتشاورون في أمرك، ﴿ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ ﴾ إني أكشف لك مخططاتهم، وأعرِّي لك دسائسهم ونياتهم الخبيثة، فاخرج من هذه المدينة، ﴿ فَاخْرُجْ إِنِّي لَِكَ مِنَ النِّاصِحِينَ ﴾.
قال ابن كثير رحمه الله: وُصِف بالرجولة؛ لأنه خالف الطريق، يعني بالطرق الجادة التي تُسلك في الشارع، فسلك طريقاً أقرب من طريق الذين بُعثوا وراءه، فسبق إلى موسى وحذره، قال: إن الناس آتون ورائي ليقبضوا عليك ويقتلوك، أعوان فرعون الطاغية: ﴿ فَاخْرُجْ إِنِّي لَِكَ مِنَ النِّاصِحِينَ ﴾.
يأتي هذا الرجل يسعى، يختصر الطريق ليحذر ولي الله ونبيه موسى عليه السلام إن تقديم النصيحة حتى في حالة الخوف من صفات الرجولة.
8- الثبات والدعوة:
يقول الله تعالى: ﴿ قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾.
موسى عليه السلام يأتي ببني إسرائيل لدخول الأرض المقدسة، ويعدهم بنصر الله تعالى، ويبشرهم ويقول: إن الله معكم، فقاتلوا هؤلاء الكفرة الذين احتلوا تلك الأرض المقدسة بنو إسرائيل الذين ما عُرِف عن طبعهم إلا الغدر والخيانة، وإلا النكوص عن شرع الله وطريقه، ماذا قالوا؟ قالوا كلمة قبيحة جداً، قالوا: ﴿فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ﴾ أنت وربك يا موسى قاتلا، نحن ننتظر النتيجة، فإن انتصرتم جئنا ودخلنا المدينة ﴿ إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ﴾ بكل وقاحة، موسى نبي الله ليس معه أحد، كل القوم نكصوا.
﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي ﴾
موقف صعب، موقف شديد، تخلَّى القوم عن نبيهم، تركوه وحيداً أمام الأعداء، إن هذه أزمة! أليس كذلك؟ فمن الذي يقوم الآن في هذا الأزمة، ويثبت الناس ويقول لهم: يا أيها الناس اثبتوا على شرع الله، اثبتوا على الطريق، لا تنهزموا أمام الأعداء، النصر قادم بإذن الله، تمسكوا بشرع الله، والله ينصركم: ﴿ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ ﴾.
قام هذان الرجلان: ﴿ قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيهِمَا ﴾ بنعمة الإيمان والإسلام والثبات.
﴿ قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ ﴾ [1]اقتحموا إنهم جبناء، ﴿ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ .
هذه النوعية التي نحتاجها حقيقة اليوم في وسط الأزمات التي تعصف بالمسلمين، الأزمات والفتن التي تجعل الحليم حيراناً،
9) القوامة على الأسرة:
قال تعالى: ﴿الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم﴾.ابن كثير يقول: القيم أي الرئيس، الذي يحكم أهله ويقوم اعوجاجهم إذا اعوجوا، وهو المسؤول عنهم يوم القيامة، ((كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته)).
ولا يقدح في رجولة الرجل أن يعين أهله، فعائشة رضي الله عنها سئلت عن فعل رسول الله عليه الصلاة والسلام في بيته، قالت: ((كان يكون في مهنة أهله يشيل هذا ويحط هذا يخصف نعله ويرقع ثوبه ويحلب شاته)) الطبراني وهو رسول الله .
ولا يقدح في رجولة الرجل أن يلاطفهن أو أن يمازحهن، تقول عائشة رضي الله عنها: سابقني رسول الله عليه الصلاة والسلام فسبقته، فلما حملت اللحم أي بدت علي السمنة، سابقني رسول الله عليه الصلاة والسلام فسبقني، فقال: ((هذه بتلك)) أبو داود والنسائي .).
ما يقدح رجولة الرجل في الأسرة
انعدام غيرته على أهله :
أ - في أمر لباسها فلا يعنيه أن تخرج وأن تكشف عورتها للناس، والرسول عليه الصلاة والسلام أعلمنا أن من أهل النار: ((نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة (كسنام البعير) لا يردن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة خمسمائة عام)) رواه مسلم.).
ب- أو لا تعنيه الجلسات المختلطة، فالرسول عليه الصلاة والسلام يقول: ((إياكم والدخول على النساء، قالوا: يا رسول الله أرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت)) متفق عليه وتركهما منفردين.
ج- يقدح في رجولة الرجل أيضاً أن يلقي للزوجة الحبل على الغارب، تخرج متى تشاء، وتعود متى تشاء، ولا يعرف الوجهة التي خرجت إليها، أو أن تسافر بغير محرم، أو عدم وجود الصحبة الطيبة التي تحفظ لها دينها وعفتها في الطريق.
هذه الأمور وعدم انشغال الرجل بها يدل على فقدان الغيرة، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: ((لا يدخل الجنة ديوث رواه أحمد والنسائي)) والديوث هو الذي لا غيرة له على عرضه.
د- أيضاً الذي يقدح في رجولة الرجل هو أن يسلم قيادة أمره إلى أهله، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: ((إذا كان أمراؤكم فساقكم وأغنياؤكم شراركم، وأموركم إلى نسائكم، فبطن الأرض خير من ظهرها)) رواه الترمذي ، وفي الأثر: (تعس عبد الزوجة).
ه- الذي يقدح في رجولة الرجل أن يقدم محبة أهله على محبة الله ورسوله، عبد الله بن أبي بكر تزوج امرأة يقال لها عاتكة، وكانت ذات حسب ونسب وجمال وأدب، خرج أبو بكر يوما إلى صلاة الجمعة فسمع عبد الله يناغي زوجته وتناغيه بما يكون بين الرجل وأهله، فلما عاد من صلاة الجمعة ورآهما على الحال الذي تركهما عليه قال: يا عبد الله ألم تصلّ معنا؟ قال: أأجمعتم؟ قال أبو بكر: لقد شغلتك عاتكة عن ربك طلقها. فطلقها، ومضت ستة أشهر علم بعدها أبو بكر ندم عبد الله وندم عاتكة أنهما انشغلا بما يكون بين الرجل وأهله عن طاعتهما لله عز وجل، ثم قال له: أرجعها. فأرجعها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق