ورحل عنا فارس الكلمة
الحمد لله رب العالمين . الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه ونصلى ونسلم على إمام الدعاة وفخر الكون وأستاذ الدنيا وسيد من في الوجود سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .. وبعد ,
تتدافع الكلمات , وتتزاحم العبرات, وتتوالى الأنَّات, وأنا أكتب هذه الكلمات , وأسطِّرُ تلك الخطرات ,عن شيخي وأستاذي, فارس الكلمة , وحامل اللواء , والصادع بالحق , الراحل العزيز فضيلة العالم الشيخ والمربى الفاضل / ماهر عقل والذي وافته المنيَّةُ صباح يوم الجمعة الموافق 27 ربيع الأول // 4-4-2008 في حادث سير أثناء عودته من القاهرة من جولة من جولات جهاده على طريق هذه الدعوة المباركة.
في رحيلك الدرس والعبرة :
لقد أثقلت ظهورنا , وأوجعت قلوبنا, وأدمعت عيوننا برحيلك عنا. وشاءت إرادة الله الرحيم الرحمن الكريم المنان أن يكون رحيلك درسا لكل العاملين على طريق الدعوة والسالكين درب الحق كما كانت حياتك كلها دروسا.رحلت عنا فأحييت القلوب بسيرتك , حيث أن العالم يموت فيحيا بسيرته خلق كثير , وأما الجاهل يحيا فيشقى برؤيته خلق كثير . نعم شيخي يموت العالم فيُذْكَرُ بسيرته الحق , ويحيا الجاهل فيُنْسى برؤيته الحق . لقد رحلت عنا وأنت في ميدان الدعوة والجهاد وساحة الخير والسداد , حيث كنت عائدا من ميدان الوغى حيث الصدع بالحق والجهر به في أذان الظالمين الغافلين , نعم كنت تحت قبة البرلمان قبلها بساعات تذكرهم بالله وتحملهم الأمانة مدافعا عن الحريات ومناديا بالكرامات ,وراجيا للخيرات , نعم كنت قادما من ميدان للدعوة والإصلاح لا يقل ضراوة ولا شراسة عن ميدان المعركة والسلاح .قدمت ولم تكن تدرى أن الحور العين تنتظرك في طريقك لتزفك إلى العلا شهيدا.
نعم يا شيخنا , كنت تجاهد حتى آخر أنفاسك بالرغم من أنك قد بلغت من الكبر عِِتِيَّا , ولكن أكرمك الله أيها الراحل العزيز بحيوية الشباب وحكمة الشيوخ ووقار العلماء وسمو العظماء .
لك علينا حقوق :
لك علينا حق القائد في الدعوة حتى بعد رحيلك, فلقد علمتنا دعوتنا أن للقيادة في دعوتنا : حقُّ الوالد بالرابطة القلبية, والأستاذ بالإفادة العلمية, والشيخ بالتربية الروحية، والقائد بحكم السياسة العامة للدعوة. ولقد جمعت بين هذه جميعا , فكنت أستاذا تفيدا علميا , وكنت شيخا تربى وتزكى النفوس , وكنت والدا تربطك بأبنائك في الدعوة رابطة الوالد بولده , وكنت قائدا ملتزما تراعى أركان البناء التنظيمي , يستشعر فيك الجميع تواضعا ولينا غير معهود ولا مسبوق . فلا أقل من أن نوفيك حق بالذكر والدعاء وتدارس سيرتك ومواقفك وجولات جهادك المباركة لتكون عبرة للدعاة والمربين .
طراز فريد من الدعاة
إن كل من رأى الشيخ أوعر فه وجد فيه طرازا فريدا من الدعاة , لقد جمع بين العلم والعمل والدعوة , كان رحمه الله ذا فهم دقيق وإيمان عميق وعمل متواصل , كنت تجد وقته كله لدعوته , فلا يكاد يخلو يوما إلا ووجدته فيه محاضرا أوواعظا أو خطيبا أو مهنئا أو معزيا أو مصلحا بين متخاصمين ..أو ... أو ... وقد يجمع بين ذلك كله في يوم واحد , فلم يكن يرفض دعوة من أحد لأية مناسبة عرفه أم لم يعرفه , لم يكن يسألك عن الدعوة وطبيعتها ومناسبتها بل كان همه شيء واحد أن يبلغ دعوة الله ... كان رحمه الله سهلا لينا يحبه من عرفه ويرى فيه تواضع العلماء وعزة الأتقياء وفلاح النجباء .
داعية لا تُعِيقُه الحواجز
لقد كان الشيخ الراحل منطلقا في دعوته , لا تقف دونه الحواجز , ولا تُثنيه العوائق , ولا تُثبِّطُه الشدائد , كان منطلقا كالفارس في كل مكان يطوف القرى والمدن داخل مصر وخارجها , كان منطلقا رحمه الله غير آبٍهٍٍ بسوط الجلاد ولا زمجرة الطاغي ولا وعيد الظالم ولا تهديد الغاشم .. كان رحمه الله محققا قول الله : {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً }الأحزاب39 , كان شعاره :
ضع في يدي ّ القيد ألهب أضلعي بالسوط ضع عنقي على السكّين
لن تستطيع حصار فكري ساعةً أو نزع إيماني .. ونور يقيني
فالنور في قلبي وقلبي في يديْ ربّي .. وربّي ناصري ومعيني
سأعيش معتصماً بحبل عقيدتي وأموت مبتسما ليحيا ديني
انطلق مع رفاق درب دعوته الأوفياء مخاطبا الحبيب محمدا :
يا سيد الرسل طب نفسًا بطائفة باعوا إلى الله أرواحًا وأبدانا
قادوا السفين فما ضلوا ولا وقفوا وكيف لا وقد اختاروك ربَّانا؟!
أعطوا ضريبتهم للدين من دمهم والناس تزعم نصر الدين مجانا
أعطوا ضريبتهم صبرًا على محن صاغت بلالاً وعمارًا وسلمانا
عاشوا على الحب أفواهًا وأفئدةً باتوا على البؤس والنعماء إخوانا
الله يعرفهم أنصار دعوته والناس تعرفهم للخير أعوانا
والليل يعرفهم عُبَّاد هجعته والحرب تعرفهم في الروع فرسانا
دستورهم لا فرنسا قننتْه ولا روما، ولكن قد اختاروه قرآنا
زعيمهم خير خلق الله لا بشر إن يهد حينًا يضل القصد أحيانا!
"الله أكبر".. ما زالت هتافهمو لا يسقطون ولا يحيون إنسانا
داعية ...يقتحم الأبواب المغلقة:
أيها الراحل العزيز , لقد علمتنا الكثير ,علمتنا كيف تكون القوة النفسية للداعية الذي لايريد من الناس أن يقدموا بين يديه هالة من التقدير حتى يقف فيهم خطيبا أو واعظا لا ....لا....لا بل كان حالك هو ما ذكره القرآن الكريم على لسان الرجلين الذين أنعم الله عليها
{قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }المائدة23
نعم كنت تقتحم الأبواب المغلقة وتحاول فتحها من غير أن يطلب منك ذلك ..... فيا لروعتك حين كنت تدخل سرادقا معزيا أو تذهب لمسجد مهنئا ....يراك الجميع وأنت تشق الصفوف متجها نحو الميكروفون مباشرة لتقوم بواجب الدعوة إلى الله , لاتنتظر من يُقَدِّمُكَ أو يرجوك أن تتقدم , كحال الكثير منا , لا بل كنت تُقَدِّمُ نفسك لاستشعارك عظم الأمانة التي في عنقك .حيث كنت تؤمن بأن الداعية لا بد و أن يقدم نفسه للناس ولا ينتظر من الناس أن يقدمونه, يذهب للناس ولا يذهبون إليه . وقدوتك في ذلك رسول الله حين كان يعرض نفسه علي القبائل, وكذلك كان حال الإمام الشهيد حين جاب الآلاف من القرى وطاف المقاهي مبلغا دعوة الله ... نعم يا شيخنا كنت كذلك لإيمانك بقول الله {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ } {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ } {الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللّهِ إِلـهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ } {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ } {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ }الحجر 94-99
كنت تتقدم وأنت عالِيَ الرأس مُعتزا بدعوتك متمثلا قول الله تعالى : {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ }فصلت33
داعية ...مثال للرضا والتسليم:
لقد كنت يا شيخنا مثالا لأصحاب الشكوى والأنات في التسليم لله والرضا بقضائه , وأذكر حين أصابني وعكة يوما ما , فسألت عني وعرفت حالي وبأن بعض الهم قد أصابني فأرسلت لي تقول: "قولوا لـــ.....إن الشيخ بقول لك : هو يعاني من الكلي.. والكبد...و.و ....فسلم أمرك لله وانطلق بدعوتك وثق بأنه لن يكون في ملكة ألا ما يريد" فكانت هذه الكلمات بردا وسلاما
وأخيرا .. ياإمامنا :
لقد لقيت ربك شهيدا , محققا ما بشر به الحبيب الشهداء , فضلا عن ما أنعم الله به عليك من استمرار عملك الصالح بعد موتك , محققا ماقاله الحبيب : عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه و سلم قال: ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به أو عمل صالح يدعو له) رواه مسلم.
فمعروف أن الإنسان إذا مات فإنه ينقطع عمله لأنه مات والعمل إنما يكون في الحياة إلا من هذه الأمور الثلاثة لأنه هو السبب فيها : الصدقة الجارية وهي الخير المستمر مثل بناء مسجد , وقد أكرمك الله بذلك .والعلم الذي ينتفع به بأن يعلم الناس ويدلهم على الخير وعلى فعل المعروف فإذا علم الناس وانتفعوا بعلمه بعد موته فإن له أجرهم من غير أن ينقص من أجورهم شيء لأن الدال على الخير كفاعل الخير وهذا دليل على بركة العلم وفائدته في الدنيا والآخرة , وقد أكرمك الله بذلك. والولد الصالح الذي يدعو له بعد موته فلأن الولد من كسب الإنسان , وأولادك , ذكورا وإناثا , فى أحضان الدعوة المباركة يسيرون على الدرب .. فالحمد لله رب العالمين
كما أنك لقيت ربك غريبا , فهنيئا لك :
فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء » (صحيح الجامع الصغير وعن سهل بن سعد الساعدي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباَ كما بدأ، فطوبى للغرباء »، قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: « الذين يَصلُحون إذا فسد الناس » سلسلة الأحاديث الصحيحة ، وروي بزيادة بلفظ: "قيل ومن الغرباء؟ قال: « النُّزاع من القبائل » (كما روى عبد الله بن المبارك في كتابه "الزهد" عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « طوبى للغرباء » ، قيل: ومن الغرباء يا رسول الله؟ قال: « ناس صالحون قليل في ناس سوء كثير، ومن يعصيهم أكثر ممن يطيعهم » (سلسلة الأحاديث الصحيحة، ونحسبك ولا نزكيك على الله تعالى أنك كنت من هؤلاء الغرباء
رحمك الله يا شيخي ويا حبيبي ولا نقول إلا ما يرضي ربنا { إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ }
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق