لاعبو المنتخب المصري يسجدون لله بعد هدف أبو تريكة
هؤلاء الأبطال يستحقون التكريم فعلاً؛ لأنهم فعلوا ما يستحقون عليه كلَّ ما يُفعل لهم من تكريمٍ؛ فقد بذلوا من الجهد والعرق والإخلاص ما مكَّنهم مما وصلوا إليه، بل وتحوَّل المنتخب الوطني من منتخب الفراعنة في إعلام العالم كله إلى منتخب الساجدين.. منتخب أجرى الله على يديه خدمةً عظيمةً للإسلام والدعوة إليه وإن لم يقصدوا، أذلَّ هؤلاء الشباب أنفسَهم لله فرفعهم الله عز وجل، وجعل لنا جميعًا بهم العبرة، وتحوَّلت بهم غانا إلى منارة إشعاع ونور إيمان، بل وكأنه- سبحانه- قدَّم لهم المؤيدات فتحوَّلت بهم هذه الاحتفالية دروسًا وعبرًا كلها تقول إن الإيمان والإخلاص والبذل والعرق والجهد إذا تضافروا جميعًا فإن لهم ثمرةً يشعر بحلاوتها صاحبها.
وتعالوا يا شبابنا ويا شيوخنا ويا نساءنا صغارًا وكبارًا نتعلَّم الدروس التي كانت هناك، في غانا، وكيف أن هذه الدورة بالذات ذللها الله- سبحانه- لتكون دعوةً لهذا الدين:
الدرس الأول:
لم يكن أكثر المتفائلين يتصوَّر أن المنتخب المصري يمكن أن يصعد إلى دور الثمانية، ولكن ما أظهره المنتخب يشهد أن ما حدث لم يكن مصادفةً؛ فالمصادفات لا يمكن أن تتحقق سوى مرةً أو مرتين، أما أن تتكرَّر ست مرات فهذا يعني جهدًا يُثاب عليه بالتوفيق، كما يعني أن أي فريق عمل يحتاج إلى قائد كفء فيه إخلاص لكي يحصل على مثل هذا النجاح.
الدرس الثاني: ﴿وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾ (الأنفال: من الآية 46).
وقد ظهر ذلك بوضوح من خروج الفرق التي حملت المشاكل بين لاعبيها وأجهزتهم الفنية إلى أكرا، فعاد أغلبهم خائبًا من الدور الأول؛ جنوا جميعًا الخيبةَ ثمرةً للتنازع.
الدرس الثالث: "دعوها؛ فإنها منتنة".
إنها العصبية الجاهلية التي تقطع الأواصر وتقتل المحبة، فكان الدرس لهذا المدرب العربي الذي رأى أن الحسنة الوحيدة التي يمكن أن يقدِّمها لبلاده هي أن يهزم المنتخب الوطني المصري حتى ولو لم يصعد إلى الدور التالي، فكوفئ بروحة غير مأسوف عليه ليعطيه شعبه الدرس عندما يلتف حول هذه الزمرة الصالحة من أبناء مصر انفعالاً وتشجيعًا ومؤازرةً.
الدرس الرابع: ﴿وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا﴾ (الإسراء: من الآية 37).
فالله- عز وجل- لا يرى الكبر رداءً إلا له سبحانه، فأن يبديَه دروجبا ويقف بهذه الخيلاء والتغطرس بعد أحد أهدافه كان لا بد أن يأخذ الدرس فيقصمه الله ليتعلق بشباك الحضري بنفس حسرة مسابقة 2006م.
الدرس الخامس: "إنما النصر صبر ساعة".
لكل مجموعة الكتيبة الساجدة في أفريقيا في التدريبات السابقة على السفر وقائدها يرى الشكوك في أعين النقاد والجماهير، واللاعبون يتلقون الأذى من الإعلام جميعه والجميع في صبر وأناة وصمت، وديدنهم الالتزام والالتقاء على قلب رجلٍ واحدٍ وعلى هدفٍ واحدٍ دون أن ينبس أحدهم ببنت شفة نقدًا للآخر أو تجريحًا.
الدرس السادس: "أخلاقنا تميزنا".
أي يرانا الناس بها قدوات وشامات في غمرة انشغال الناس بالمعاصي وغيرها؛ فكانوا قدوات بحق، وفي الوقت الذي طيَّرت فيه وسائل الإعلام عن لاعب (منتخب السنغال) يتشاجر مع إدارة الفندق الذي تقيم فيه بعثته من أجل "مزة" الخمر التي لم توفرها له إدارة الفندق، طيَّرت وسائل الإعلام العالمية لقب منتخب الساجدين وصور الصلاة للاعبين، مؤتمين مرةً بمدربهم، ومرةً بأحدهم، وقصص جلسات الذكر وسجداتهم بعد كل هدفٍ والتزامهم الأخلاقي في فندقهم، فكانوا- بحق- بعثة تبشير بدين الإسلام.
الدرس السابع:
كان هذه المرة من إحدى القنوات الفضائية التي أبت إلا أن تشارك في العرس الدعوي، فاستضافت أسر جميع اللاعبين الثلاث والعشرين على غرار ما تفعل صحف وفضائيات أوروبا في الاحتفال بعائلات لاعبيهم؛ ليرى العالم كله أمهات هؤلاء اللاعبين جميعًا تقريبًا ملتزمات بالحجاب الشرعي، والأم مدرسة، واسلمي يا نساء مصر.
الدرس الثامن: "مَن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم".
فاللهَ اللهَ يا أبو تريكة، لقد شعر العالم كله بقضية غزة عندما رفع هذا اللاعب الخلوق فانلته ليرى كل متابعي كرة القدم في العالم- وهم آخر من يهتم لأمر غزة- "تعاطفًا مع غزة"، فكان تأثير هذا على العالم جميعه أبلغ من عشرات القنوات وآلاف المتظاهرين، فاستحق ثناء القول المأثور "عمل رجل في ألف رجل خيرٌ من قول ألف رجل لرجل"، فهنيئًا له ما قدَّم.
الدرس التاسع: "المسلم كالمطر؛ أينما وَقَعَ نَفَعَ".
ولأنهم كذلك فقد اجتمعوا على التبرع جميعًا للذبح والتوزيع على الفقراء، كما اجتمعوا (هؤلاء الرجال) متكاتفين لبناء مسجد في كوماسي؛ ليكونوا ذلك المطر الذي زرع مسجدًا يحصدون أجره كلما صلَّى فيه مصلٍّ.
الدرس العاشر: "ما ضاع حقٌّ وراءه مطالب".
درسٌ صاحبه لاعبٌ واحد في الفريق وإن لم يقلل هذا من جهد إخوانه؛ إنها كرة الفوز التي جاء منها آخر هدف في البطولة، واللاعب هو محمد زيدان الذي استخلص الكرة، كان مثالاً وحده؛ يجري ويثابر، ويسقط أرضًا وينافح ويستخلص، ولمَّا تكاثر عليه الخصوم وبمجرد رؤيته خيال فانلة حمراء يقذف الكرة في مغالبة واضحة وعدم يأس ومثابرة وكأنه يُسلِّم الراية قبل أن يسقط.
لقد كان هذا الهدف الذي أحرزه أبو تريكة هدف محمد زيدان حقًّا، ولكن مشيئة الله أن يشرك هذا الشاب معه تتويجًا وتكريمًا له.
الدرس الحادي عشر: "إن الله لا يضيع أجر مَن أحسن عملاً".
لقد جاء هذا الدرس ليتوج سيرة الأبطال، ثمرة لم يحلم بها أحد، ولكنها إشارة واضحة من الله- عز وجل- في هذا الدرس؛ إنه الصدى الذي رجَّعته السماء إلى أهل الأرض ليفرح المؤمنون بثمرة عملهم، سجد لاعبو غانا بعد استلامهم ميداليات المركز الثالث، سجدوا جميعًا فلمَّا سألهم رجال الإعلام قالوا في توضيح ذلك: لأن هذا هو طريق المصريين للفوز بالكأس؛ لذلك نُقلِّدهم لنحصل على الكأس مثلهم.
الدرس الثاني عشر:
أن هذه الأمة يمكن بسهولة شديدة أن تتوحَّد وأن تبذل وأن تقدِّم مُهَجَهَا في سبيل هدف حقيقي تسعى إليه، لقد رأينا ذلك يوم أراد الكاف معاقبة أبو تريكة على رفع الفانلة، واعتبار ذلك سياسةً في الرياضة، فهبَّت الأمة جميعًا بـ"الفاكسات" و"الإيميلات" للفيفا والكاف، حتى إن الفريق السوداني- وهو منافسنا في المجموعة- هدَّد بالانسحاب إذا عُوقب أبو تريكة، وكان هذا الضغط كفيلاً بإثنائهم عما ننووا لمعاقبة الرجل، ثم هذه الفرحة الطاغية للشعوب العربية من المحيط إلى الخليج بفوز المنتخب المصري؛ مما يُعلم القاصي والداني أن الشعوب الإسلامية كلها جسد واحد مهما تباعدت الحكومات.
وبصرف النظر عن كون الشعب المصري تتدنى طموحاته حتى يعتبر انتصار المنتخب القومي على بعض منتخبات إفريقيا انتصارًا عظيمًا يستحق خروج الشعب بالكامل لاستقبال أبطاله بالورود والرياحين لهذا الأمر، والخروج لاستقبال هؤلاء الأبطال في صالة استقبال كبار الزوار.
بصرف النظر عن كون كرة القدم نوعًا من اللهو واللعب كما يراه بعض الناس رغم كونها رياضةَ هذا الزمان، بينما كانت الفروسية والمصارعة والقتال هي رياضات الأزمنة الفائتة.
بصرف النظر عن كل ذلك، فالحقيقة أن هذه الدورة كانت كلها دروسًا وعبرًا تعلمناها من هؤلاء الرجال الأبطال- شيبةً وشبَّانًا، إدارةً ولاعبين- تعطي الأمل في خيرية هذه الأمة، وتفضح من يدَّعي استحالة الحل الإيماني لمشاكلنا॥ فهل من مقلِّد؟!!।
Reported
حفظك الله وبارك فيك وسترك
إرسال تعليق
هناك تعليق واحد:
حفظك الله وبارك فيك وسترك
إرسال تعليق