عبد الرحمن :شهيد السيادة والكرامة
"لقد ارتقى عبد الرحمن شهيدا وهو يحتضنني لحظة إطلاق النار ،أنا أسميه شهيد السيادة والكرامة لأن ما حصل عند معبر رفح هو ثورة الكرامة والسيادة".كلمات من خطاب رئيس الوزراء إسماعيل هنية ظلت عالقة في مخيلتي وأنا أستذكر صوته المتحشرج ودموعه التي غلبته وهو ينعى عبد الرحمن في خطابه الذي تلا محاولة اغتياله، فأيقنت في نفسي أن عبد الرحمن شخص غير عادي ،ولابد أن حياته تحوي الكثير، لذا قررت الذهاب إلى منزله ورؤية والدته..
في طريقي إلى منزله وقت الظهيرة..أوقفتني السيارة عند مسجد الإمام الشافعي في حي الزيتون،
سألت أحد المارة عن المنزل فوصفه لي ،سرت في الطريق الطويل ،الذي دلني ما فيه من رايات
خضراء وصور للشهيد وأكاليل نعي على أنه هو المنزل المقصود.
دخلت المنزل وكانت جموع من النساء فيه تقدم التعازي أو التهاني كما يود أهل الشهيد أن تكون ، كانت والدة الشهيد تصلي في جماعة مع البعض انتظرتها الى حين الانتهاء من الصلاة وسألت
المرأة التي بجانبي: "هل تعرفين الشهيد؟" قالت: "هو ابن عمتي" فسألتها بعد أن عرفتها بنفسي: "ماذا تذكرين عنه؟" فقالت: "ما رأيت مثله شاب ،كل الطباع الجميلة فيه، رحمه الله" .
هنا أنهت والدته الصلاة فسلمت عليها وقدمت لها واجب التعزية وجلست بجانبها كي أتحدث معها
عن حياة عبد الرحمن، فقالت: "ولد يوم الخميس من عام 1986م في الزقازيق بمصر التي عاش بها6سنوات" وعن حياته بمصر تتذكر والدته المصرية الجنسية، يوم كان يتغيب عن المدرسة وعندما يُسأل عن سبب غيابه يقول: " لأننا سنعود إلى غزة " دون أن يذكر ذلك أحد أمامه .
وتضيف والدته :"منذ كان 5سنوات وهو يذهب إلى مسجد الحي ويحب خطيبه محمد الشحات"
،وتذكر أن الشيخ كان يطلب من والد عبد الرحمن أو كما يناديه الجميع "عبود" ألا يجلس معه
في الصف الأول من شده بكاء الطفل الذي يجعله لا يستطيع إكمال خطبته من شدة التأثر من مشهد
عبد الرحمن وهو يبكي ولم يتجاوز السادسة من العمر!
وتعود أمه بنا لتصف لنا عبد الرحمن فتقول: "كان هادئاً جدا ،وصاحب دعابة وابتسامة دائمة ، كتوم في عمله ، و محباً للجميع ،حفظ القرآن الكريم منذ 4 سنوات في المسجد الذي تربى فيه ،
"المسجد الشافعي " ،كان متعلقا كثيراً بالشيخ أحمد ياسين ولم يكن يترك أمر إلا استشاره فيه ،
حتى إن الشيخ رحمه الله كان يقول لوالده: "حفظ الله لك عبد الرحمن فكأنه ملاك يمشي على الأرض" ونفس العبارة كانت من أم نضال فرحات التي كانت تحبه كثيراً ،وقد عرفته يوم أصيب في اجتياح الشجاعية" في هذه اللحظات سمعت صوت نشيد من داخل المنزل فسألتها: "أي الأناشيد كان يحب عبود؟
" فقالت: "كان هو وأخوه الشهيد محمود يرددان دائما أنشوتهم المحببة لهم منذ كانوا صغاراً
" جاهد بالله بُنيّا.. جاهد إن كنت تقيا" هنا لم تتمالك أم عبد الرحمن نفسها فغلبتها الدموع..
أكملت الحديث معها عن عبد الرحمن والتحاقه بكتائب القسام فقالت: "التحق بها منذ كان عمره 13 عام وكان يعرف بشبل القسام" وبتنهيدة تقول: "رغم صغر سنه فقد كان شيئاً كبيراً، كان عضواً في وحدة التصنيع- لواء المهندسين وبالرغم من ذلك، لم يكن يقبل أن يترك الرباط اليومي مع مجاهدي القسام، وكان قد ذهب الى تنفيذ عملية استشهادية في رمضان 2003 وقد ودعته قبل رحيله لكن قدر الله أن يعود" وعن موقف تستذكره عن الشهيد تقول: "كانت حياته كلها مواقف" وألححت عليها أن تستجلب من ذاكرتها موقفاً فقالت: "في رمضان المنصرم عزم رفاقه على الإفطار وبعد أن أنهوا الطعام جاء لي وقال والله يا أمي إني كنت آكل أنا وأصحابي كأننا نأكل في الجنة فما شعرنا أنه أكل دنيا"
وتستطرد أمه قائلة: "وجميع رفاقه الذين كانوا في العزومة استشهدوا وهاهو يلحق بهم". وعن يوم استشهاده تقول والدته: "كان رحمه الله صائماً -كما اعتاد أن يصوم الاثنين والخميس دائماً
- إلا إنه عندما يكون مشغولا كان يفطر خارج المنزل فتفاجأت في هذا اليوم أنه وهو في رفح يتصل ويخبرني أنه سيأتي للإفطار بالمنزل، ولم يكد يأتي حتى اتصل به رفاقه في المعبر ولم يكن أنهى طعامه بعد، فسلم واطمئن علينا وخرج..
لكن دون أن يعود فقد اختاره الله شهيدا" لينضم الى قافلة الشهداء من أبناء عمومته" الجدير بالذكر أن عبد الرحمن هو الشهيد الثامن عشر لعائلة قدمت خيرة شبابها في عمليات اغتيال واجتياح كان على رأسهم وائل وزاهر نصار وهم من تربى على أيديهم الشهيد عبد الرحمن على حد قول والدته .
هناك تعليق واحد:
جزا الله خيرا من قام بنشر هذه المدونه للشهيد عبدالرحمن ,والله فعلا شهيد الكرامة فهنيئا له الفردوس الاعلى.
إرسال تعليق