أولا : أصل كلمة رمضان
قيل: إنه من الرمض وهو شدة الحر فيقال : يَرْمَضُ رَمَضاً : اشتدَّ حَرُّه ، وأَرْمَضَ الحَرُّ القومَ : اشتدّ عليهم قال ابن دريد: لما نقلوا أَسماء الشهور عن اللغة القديمة سموها بالأَزمنة التي هي فيها فوافَقَ رمضانُ أَيامَ رَمَضِ الحرّ وشدّته فسمّي به ، الفَرّاء : يقال هذا شهر رمضان ، وهما شهرا ربيع، ولا يذكر الشهر مع سائر أَسماء الشهور الهجرية ، يقال: هذا شعبانُ قد أَقبل ، وشهر رمضانَ مأْخوذ من رَمِضَ الصائم يَرْمَضُ إذا حَرّ جوْفُه من شدّة العطش ، قال اللّه عزّ وجلّ ( شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن ) .
ثانيا : الصـــــوم
الصيام من أركان الإسلام ، فيه يمتنع المرء عن الأكل والشراب والجماع , لفترة معينة من أذان الفجر إلى أذان المغرب ، وفي رمضان تزكية للنفس وقرب من الله عز وجل ، فيه أيضا تغلق أبواب النار وتصفط الشياطين وتفتح أبواب الرحمة ، وقت الصيام في رمضان من بزوغ الفجر و حتى غروب الشمس , قال تعالى ( وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ) ويقول الرسول r في فضل شهر رمضان ( من صام رمضان إيمانا واحتساباً غفر له ما تقد م من ذنبه )، ومعظم الصائمين يصحون قبل بزوغ الفجر ويتناولون وجبة صغيرة ويشربون الماء (تسمى هذه الوجبة السحور) استعداداً ليوم الصوم , وقد ورد عن فضل السحور أن الرسول rقال ( تسحروا فإن في السحور بركة ) (متفق عليه) ، وفي الصوم أيضاً يجب أن يمتنع المسلم عن الكلام البذيء والفعل السيئ لقول النبي r ( إذا كان يوم صوم أحدكم ؛ فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل اللهم إني صائم ) (متفق عليه).
ثالثا : رمضان شهر القرآن
أنزل القرآن على محمد r في شهر رمضان وبالتحديد في ليلة القدر وذلك بنزول أول آية في القرآن كما ورد في حديث الرسول rحين نزل عليه جبريل - علية السلام - قائلا : اقرأ ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( ما أنا بقارئ قال فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ قلت ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ فقلت ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني فقال { اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم } فرجع بها رسول الله صلى اللهم عليه وسلم يرجف فؤاده )) [ رواه البخاري ] و من قبل ذلك شهد هذا الشهر الكريم نزولا آخر ، إنه نزول القرآن جملة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا ، وكان ذلك في ليلة القدر لقول القرآن { إنا أنزلناه في ليلة القدر } { إنا أنزلناه في ليلة مباركة } ، قال ابن عباس : أنزل القرآن جملة واحدة إلى سماء الدنيا ليلة القدر ثم أنزل بعد ذلك في عشرين سنة [ النسائي و الحاكم ] ، وقال ابن جرير : نزل القرآن من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا في ليلة القدر من شهر رمضان ثم أنزل إلى محمد صلى الله عليه و سلم على ما أراد الله إنزاله إليه .
رابعا : متى فرض الصيام
فرض صيام شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة في المدينة المنورة ، وصام الرسول صلى الله عليه وسلم تسع رمضانات ، قال النووي رحمه الله في المجموع (6/250) : صام رسول الله صلى الله عليه وسلم رمضان تسع سنين ، لأنه فرض في شعبان في السنة الثانية من الهجرة وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة اهـ ، والسبب في تأخير فرض الصيام يبينه لنا ابن القيم في (الزاد) : حيث يقول ( لما كان فطم النفوس عن مألوفاتها ، وشهواتها ، من أشق الأمور وأصعبها ، فقد تأخر فرض الصوم إلى وسط الإسلام بعد الهجرة ، لما توطنت النفوس على التوحيد والصلاة ، وألفت أوامر القرآن : فنقلت إليه بالتدريج ) .
خامسا : حكم صوم شهر رمضان
قال الشيخ ابن عثيمين : صيام شهر رمضان فرض بنص الكتاب والسنة وإجماع المسلمين ، قال تعالى ( يٰأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) إلى قوله ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِىۤ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَـٰتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام ) ، وقال عليه الصلاة والسلام ( إذا رأيتموه فصوموا ) ، وأجمع المسلمون على أن صيام رمضان فرض، وأنه أحد أركان الإسلام ، فمن أنكر فرضيته كفر، إلا أن يكون ناشئاً في بلاد بعيدة ، لا يعرف فيها أحكام الإسلام فيعرف بذلك ، ثم إن أصر بعد إقامة الحجة عليه كفر، ومن تركه تهاوناً بفرضيته فهو على خطر، فإن بعض أهل العلم يرى أنه كافر مرتد، ولكن الراجح أنه ليس بكافر مرتد، بل هو فاسق من الفساق لكنه على خطر عظيم
سادسا : تعريف الصيام
أولا : كلمة الصيام في اللغة العربية تعني : الإمساك والكف عن الشيء.
وأما المعنى الشرعي للصيام فهو: الامتناع عن الأكل والشرب والجماع من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بنية التقرب إلى الله تعالى ، فمن كان امتناعه عن المفطرات بغير نية التقرب إلى الله تعالى فلا يعتبر صائماً شرعاً .
تعريف الصيام لغة : قال ابن فارس : الصاد والواو والميم أصل يدل على إمساك وركود في مكان".أهـ. وفي لسان العرب : الصوم الإمساك عن الشيء، والترك له، ولذلك قيل للصائم صائماً لإمساكه عن الشراب والطعام والنكاح، وقيل للصامت صائماً؛ لإمساكه عن الكلام ومنه: ﴿ إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً ﴾ وقال أبو عبيدة كل ممسك عن طعام، أو كلام، أو سير، فهو صائم".أهـ. وقال البيضاوي: الصوم في اللغة الإمساك عما تنزع إليه النفس أهـ .
ثانياً: تعريف الصيام شرعاً : عند الأحناف: الإمساك عن أشياء مخصوصة، وهي الأكل، والشرب، والجماع، بشرائط مخصوصة ، وعند المالكية : الإمساك عن شهوتي الفم، والفرج، وما يقوم مقامهما، مخالفةً للهوى في طاعة المولى، في جميع أجزاء النهار، وبنية قبل الفجر، أو معه إن أمكن ، وعند الشافعية: إمساك مخصوص، في زمن مخصوص، من شخص مخصوص ، وعند الحنابلة: إمساك عن المفطرات، من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس .
سابعا : أحاديث نبوية تتعلق بالصوم
الترغيب في الصوم مطلقاً وفضل دعــاء الصائــم
الحديث الأول : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جُنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم إني صائم، و الذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقي ربه فرح بصومه. رواه البخاري واللفظ له و مسلم .
الحديث الثاني : عن سهل بن سعد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن في الجنة باباً يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم فإذا دخلوا أُغلق فلم يدخل منه أحد. رواه البخاري ومسلم و النسائي والترمذي .
الحديث الثالث : عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة يقول الصيام: أي رب منعته الطعام و الشهوة فشفعني فيه: ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه قال: فيشفعان 0 رواه الطبراني و أحمد في الكبير .
الحديث الرابع : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لا ترد دعوتهم : الصائم حين يفطر، والإمام العادل، و دعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام و تفتح لها أبواب السماء و يقول الرب: و عزتي و جلالي لأنصرنك ولو بعد حين . رواه أحمد .
الترغيب في صيام رمضان احتساباً وقيام ليله
الحديث الأول : عن أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قام ليلة القدر إيمانا ً و احتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، و من صام رمضان إيماناُ و احتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه. رواه البخاري ومسلم.
الحديث الثاني : روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أُعطيت أمتي خمس خصال في رمضان لم تعطهن أمة قبلهم : خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، و تستغفر لهم الحيتان حتى يفطروا، و يزين الله عز وجل كل يوم جنته، ثم يقول: يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المئونة، و يصيروا إليك، و تصفد فيه مردة الشياطين ، فلا يخلصوا فيه إلى ما كانوا يخلصون إليه في غيره و يغفر لهم في آخر ليلة. قيل : يا رسول الله أهي ليلة القدر؟ قال : لا ولكن العامل أيما يوفى أجره إذا قضي عمله. رواه أحمد والبزار والبيهقي .
الحديث الثالث : وعن الحسن بن مالك بن الحويرث عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر، فلما رقي عتبةٌ، قال : آمين ، ثم رقي أخرى فقال : آمين ثم رقي عتبة ثالثة فقال: آمين، ثم قال: أتاني جبريل عليه السلام فقال : يا محمد من أدرك رمضان فلم يغفر له فأبعده الله ، فقلت : آمين ، فقال: من أدرك والديه أو أحدهما فدخل النار فأبعده الله فقلت آمين، قال: ومن ذكرت عنده ولم يصل عليك فأبعده الله فقلت آمين. رواه ابن حبان في صحيحه .
الحديث الرابع : روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا كان أول ليلة من رمضان فتحت أبواب السماء فلا يغلق منها باب حتى يكون آخر ليلة من رمضان و ليس عبد مؤمن يصلي في ليلة فيها إلا كتب الله له ألفاً و خمسمائة حسنة بكل سجدة و بنى له فيي الجنة ياقوتة حمراء لها ستون ألف باب لكل منها قصر من ذهب موشح بياقوتة حمراء فإذا صام أول يوم من رمضان غفر له ما تقدم من ذنبه إلى مثل ذلك اليوم من شهر رمضان، و استغفر له كل يوم سبعون ألف ملك من صلاة الغداة إلى أن توارى بالحجاب، وكان له بكل سجدة يسجدها في شهر رمضان بليل أو نهار شجرة يسير الراكب في ظلها خمسمائة عام. رواه البيهقي .
الحديث الخــامس : وعن سلمان رضي الله عنه قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر يوم من شعبان:قال: ياأيها الناس قد أظلكم شهر عظيم مبارك شهر فيه ليلة خير من الف شهر ، شهر جعل الله صيامه فريضة و قيام ليله تطوعاً، من تقرب فيه بخصله من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه و من أدى فريضه فيه كان كمن أدى سبعين فريضه فيما سواه ، وهو شهر الصبر و الصبر ثوابه الجنة و شهر المواساة و شهر يزاد في رزق المؤمن فيه، من فطر فيه صائماً كان مغفرة لذنوبه و عتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أ، ينقص من أجره شئ، قالوا: يا رسول الله : ليس كلنا يجد ما يفطر الصائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يعطي الله هذا الثواب من فطر صائماً على تمرة أو شربة ماء أو مذقة لبن، وهو شهر أوله رحمه و أوسطه مغفرة , وآخره عتق من النار، من خفف عن مملوكه فيه غفر الله له ، وأعتقه من النار، واستكثروا فيه من أربع خصال: خصلتين ترضون بهما ربكم و خصلتين لا غناءبكم عنهما: فأما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم: فشهادة أن لا إله إلا الله، و تستغفرونه، و أما الخصلتان اللتان لا غناء بكم عنهما: فتسألون الله الجنة و تعوذون به من النار ومن سقى صائماً سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ حتى يدخل الجنة. رواه ابن خزيمه في صحيحه عن طريق البيهقي و رواه ابو الشيخ ابن حبان.
الحديث السادس : روى الطبراني في الأوسط عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: هذا رمضان قد جاء تفتح فيه أبواب الجنة و تغلق أبواب النار و تغل فيه الشياطين بُعداً لمن أدرك رمضان فلم يغفر له ، إذا لم يغفر له فمتى.
الحديث السابع : عن مالك رحمه الله أنه سمع من يثق به من أهل العلم يقول: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُري أعمار الناس قبله أو ما شاء الله من ذلك فكأنه تقاصر أعمار أمته أن يبلغوا من العمل مثل الذي بلغ غيرهم فأعطاه الله ليلة القدر خيرا من ألف شهر ، ذكره في الموطأ .
الترهيــب في إفطار شيء من رمضان بغير عــذر
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أفطر يوماً من رمضان من غير رخصة ولا مرض لم يقضه صوم الدهر كله وإن صامه. رواه الترمذي.
هذا ونسأل الله أن يعتق رقابنا من النيران فى شهر القراّن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق