من صلَّى العيد يوم الجمعة رُخِّص له ترك حضور صلاة الجمعة في ذلك اليوم، إلا الإمام، فيجب عليه إقامتها بمن حضر إلى صلاتها، ممن قد صلَّى العيد، وممن لم يصل العيد، فإن لم يحضر إليه أحد سقط وجوبها عنه وصلاها ظهرًا، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "قد اجتمع في يومكم هذا عيدان، فمن شاء أجزأه من الجمعة، وإنا مجمعون"، فدلَّ ذلك على الرخصة في الجمعة لمن صلَّى العيد في يومها، وعلمٌ على عدم الرخصة للإمام؛ لقوله في الحديث: "وإنا مجمعون".
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- في كتابه مجموع الفتاوى (24/210- 211): إذا اجتمع الجمعة والعيد في يوم واحد؛ فللعلماء في ذلك ثلاثة أقوال: الأول: وجوب الجمعة على من شهد العيد، كما تجب سائر الجمع للعمومات الدالة على وجوب الجمعة.
والثاني: تسقط عن أهل البر مثل أهل العوالي والشواذ؛ لأن عثمان بن عفان رخَّص لهم ترك الجمعة لمن صلَّى بهم العيد.
والقول الثالث: وهو الصحيح أن من شهد العيد سقطت عنه الجمعة، لكن يجب على الإمام أن يقيم الجمعة؛ ليشهدها من لم يشهد العيد ولمن شاء شهودها، وهذا هو المأثور عن النبي وأصحابه كعمر وعثمان وابن مسعود وابن عباس وابن الزبير وغيرهم، ولا يُعرف عن الصحابة في ذلك خلاف، وأصحاب القولين المتقدمين لم يبلغهم ما في ذلك من السنة عن النبي، لمن اجتمع في يومه عيدان، فقد صلَّى العيد ثم َّرخَّص الجمعة، وهناك لفظ أنه قال: "أيها الناس إنكم قد أصبتم خيرًا فمن شاء أن يشهد الجمعة فليشهد؛ فإنا مجمعون".
وأيضًا فإنه إذا شهد العيد حصل مقصود الاجتماع، ثم يصلي الظهر إذا لم يشهد الجمعة، فيكون الظهر في وقتها، والعيد يحصل به مقصود الجمعة، وفي إيجابها على الناس تضييق عليهم، وتكدير لمقصود عيدهم، وما سُنَّ لهم من السرور فيه والانبساط.
فإذا حُبسوا ذلك عاد العيد عن مقصوده بالإبطال، ولأن يوم الجمعة عيد ويوم الفطر والنحر عيد، ومن شأن الشارع إذا اجتمعت عبادتان من جنس واحد، أدخل إحداهما في الأخرى، كما يدخل الوضوء في الغسل، وأحد الغسلين في الآخر.. والله أعلم.