22/09/2011
25/07/2011
رمضان قد أقبل
كل عام وحضراتكم بخير ، بإذن الله تعالى سيكون لنا فى رمضان لقاء يومى مع برنامج رمضانى بعنوان " دلائل الخيرات فى أيام الرحمات"
01/06/2011
التَّجَرُّدُ للدعوة من شِيَمِ الأوفياء
إن عمادَ نجاح الدعوات - بعد تأييد الله تعالى – معقود بحال من يحملها ، فلا تنجحُ الدعوات أبدا ما لم يتجردْ لها المؤمنون بها ، فتأخذ عليهم لُبَّهم وكلَّ مشاعرهم ، وتكون هي كل حاضرهم ومستقبلهم، حياتُهم مرتبطةٌ بحياتها، ونصرُهم معلَّقٌ بنصرها، ، فإن تكلَّموا ففي الدعوة، وإن عملوا فللدعوة، وإن ساروا سارت معهم، وحيث وُجدت لا تفارقهم ولا يفارقونها.
والتجرد للدعوة هو تجرد للخير فى أسمى معانيه ، والتجرد للخير من سمات الملائكة المقربين، كما قال صاحب الإحياء: "والتجرد لمحض الخير هو دأب الملائكة المقربين، قال تعالى فيهم:{لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } التحريم
** فما هو التجرد؟
كلمة التجرد في اللغة ممتدة وفعلها متشعب ؛ ولكن الإمام البنا حين عرف التجرد قصد بكلماته ( صدق الانتماء ) للفكرة والمنهج والحركة وألا يتورط صاحبها في السبل المتعددة وما يترتب علي ذلك من تشتت واضطراب فقال " وأريد بالتجرد أن تتخلص لفكرتك مما سواها من المبادئ والأشخاص لأنها أسمى الفكر وأجمعها وأعلاها : "صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ ) البقرة138 (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ". الممتحنة : 4.. … ولعل ذلك هو مقصد سيدنا عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه لفعل ( جَرَدَ ) لما قال : (جردوا القرآن …. ليربو فيه صغيركم، ولا ينأى عنه كبيركم، فإن الشيطان يخرج من البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة). أخرجه ابن أبي شيبة.
ومعنى " جردوا القرآن" أي : لا تلبسوه شيئا آخر ينافيه !!! …. وهو عين المعني الذي أراده الإمام البنا رحمه الله الذى كان صاحب مشروع إصلاح متكامل بحق !! وأن هذا المشروع قد ملك قلب الإمام وعقله ؛ وقد بذل الإمام وضحي من أجل مشروعه حتي اصطفاه الله شهيدا – نحسبه كذلك ولا نزكي علي الله أحداً – ومن هنا تأتي كلمة ( التجرد ) لتحتل في مشروع الإمام موقعا متميزا ! حتي جعلها ركناً من أركان البيعة التى يقوم بها من وصفهم الإمام بـــ" الإخوان المجاهدين من الإخوان المسلمين الذين آمنوا بسمو دعوتهم ، وقدسية فكرتهم ، وعزموا صادقين على أن يعيشوا بها ، أو يموتوا في سبيلها ".
** نموذج للتجرد فريد:
عَنْ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ أَنَّ رَجُلاً مِنْ الأعْرَابِ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَآمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ، ثُمَّ قَالَ: أُهَاجِرُ مَعَكَ. فَأَوْصَى بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْضَ أَصْحَابِهِ..
فَلَمَّا كَانَتْ غَزْوَةٌ غَنِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبْيًا فَقَسَمَ وَقَسَمَ لَهُ، فَأَعْطَى أَصْحَابَهُ مَا قَسَمَ لَهُ، وَكَانَ يَرْعَى ظَهْرَهُمْ فَلَمَّا جَاءَ دَفَعُوهُ إِلَيْهِ ، فَقَالَ: مَا هَذَا ؟ قَالُوا: قِسْمٌ قَسَمَهُ لَكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .
فَأَخَذَهُ ، فَجَاءَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ : مَا هَذَا ؟ !
قَالَ – صلى الله عليه وسلم - : " قَسَمْتُهُ لَكَ " .
قَالَ: مَا عَلَى هَذَا اتَّبَعْتُكَ ! وَلَكِنِّي اتَّبَعْتُكَ عَلَى أَنْ أُرْمَى إِلَى هَاهُنَا- وَأَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ - بِسَهْمٍ فَأَمُوتَ فَأَدْخُلَ الْجَنَّةَ !
فَقَالَ النبي – صلى الله عليه وسلم - : " إِنْ تَصْدُقْ اللَّهَ يَصْدُقْكَ " .
فَلَبِثُوا قَلِيلاً، ثُمَّ نَهَضُوا فِي قِتَالِ الْعَدُوِّ، فَأُتِيَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُحْمَلُ قَدْ أَصَابَهُ سَهْمٌ حَيْثُ أَشَارَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " أَهُوَ هُوَ ؟ ! " قَالُوا : نَعَمْ .
قَالَ :" صَدَقَ اللَّهَ فَصَدَقَهُ ".. ثُمَّ كَفَّنَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جُبَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قَدَّمَهُ، فَصَلَّى عَلَيْهِ فَكَانَ فِيمَا ظَهَرَ مِنْ صَلَاتِهِ:"اللَّهُمَّ هَذَا عَبْدُكَ خَرَجَ مُهَاجِرًا فِي سَبِيلِكَ فَقُتِلَ شَهِيدًا أَنَا شَهِيدٌ عَلَى ذَلِكَ"[ النسائي : وصححه الألباني ]
* فانظر كيف كانت بداية هذا الأعرابي، من أول يوم أسلم فيه:
- لقد كان بادئ أمر هذه الأعرابي: إيمان، واتباع، وهجرة، وجهاد .. ! فلم يزل يجاهد نفسه في الإيمان، بحسن الاعتقاد، وكمال اليقين، وجمال التوكل. ولم يزل يجاهد نفسه في الإتباع، بحسن التأسي، وتمام الاقتداء بخاتم الأنبياء – صلى الله عليه وسلم -.
ولم يزل يجاهد نفسه في الهجرة، فحمل نفسه حملاً، عن الشهوات والشبهات، وانتقل بنفسه من أرض الكفر إلى أرض الإيمان .
ولم يزل يجاهد نفسه في ساح الوغى، يركض إلى الله ركضًا، بغير زاد إلا التُقى وعمل الرشاد .
وهكذا، لم يزل يجاهد في الله، حتى هداه سبيل التجرد، فكان له ما كان من الشهادة والكرامة .
* جائزة التجرد :
وكانت جائزة هذا الأعرابي المتجرد عبارة عن حزمة من التكريمات النبوية والتشريفات المحمدية،:
الأولى : أن صدّقه رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ، فقال: " صَدَقَ اللَّهَ فَصَدَقَهُ ".
الثانية : أن كفنه النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جُبَّته.
الثالثة : أن قدَّمه النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّى عَلَيْهِ .
الرابعة : أن دعا له النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "اللَّهُمَّ هَذَا عَبْدُكَ خَرَجَ مُهَاجِرًا فِي سَبِيلِكَ" .
الخامسة : أن شهد له النبي بالشهادة، قال : "فَقُتِلَ شَهِيدًا أَنَا شَهِيدٌ عَلَى ذَلِكَ" .
في هذا المشهد ، نرى صورة من روائع التجرد لله، وصورة رجاله الذين صدقوا الله فصدقهم،{ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً - لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاء أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً} فنالوا الجنة عن موقف تجردت فيه قلوبهم لله تمام التجرد، دون سابقة أعمال مأثورة أو تاريخ دعوي تليد، فقط دخلوا الجنة بوقفة وقفوها.
** لماذا التجرد؟
ترجع أهمية التجرد إلى:
1- خطورة المرحلة:
إنَّ دعوتنا المباركة فى هذه المرحلة الدقيقة من عمرها– بعد الثورة - لفي حاجة ماسة إلى القلوب المتجردة الموصولة بالله، التي لا تعمل من أجل الصدارة فى أي مجال دعوي كان أم نيابي أم نقابي أم غيره، أو ابتغاء الظهور الذي يقصم الظهور، أو رغبة فى الأجر العاجل ، أوالمثوبة الحاضرة ، من مال يجمع ، أو ذكر يرفع . كلا ! بل المتجرد حاله هو الذى أشار إليه الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم: " طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه فى سبيل الله أشعث رأسه مغبرة قدماه إن كان فى الحراسة كان فى الحراسة وإن كان فى الساقة كان فى الساقة إن استأذن لم يؤذن له وإن شفع لم يشفع". البخاري
2- تمحيص الصف:
فى هذه الأيام ، أيام انفتاح القنوات الفضائية بأنواعها للرموز الدعوية ، وكتابة الصحف عنهم يوميا ، لابد من اليقظة والمكاشفة مع الذات ، فلا يعمل للدعوة بحق إلا من تجرد لها وعمل لها بإخلاص وبذل كل ما فى وسعه من أجلها،يقول الإمام البنا:" دعوة الإسلام عامة تجمع و لا تفرق ولا ينهض بها و لا يعمل لها إلا من تجرد من كل ألوانه و صار لله خالصا. "
3- انتصار الدعوة:
يقول صاحب الظلال فى قوله تعالى:{ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ [البقرة145
"لقد كان الله يعد هذه الجماعة لأمر أكبر من ذواتها وأكبر من حياتها . فكان من ثم يجردها من كل غاية ، ومن كل هدف ومن كل رغبة من الرغبات البشرية - حتى الرغبة في انتصار العقيدة - كان يجردها من كل شائبة تشوب التجرد المطلق له ولطاعته ولدعوته . . كان عليهم أن يمضوا في طريقهم لا يتطلعون إلى شيء إلا رضي الله وصلواته ورحمته وشهادته لهم بأنهم مهتدون . . هذا هو الهدف ، وهذه هي الغاية ، وهذه هي الثمرة الحلوة التي تهفو إليها قلوبهم وحدها . . فأما ما يكتبه الله لهم بعد ذلك من النصر والتمكين فليس لهم ، إنما هو لدعوة الله التي يحملونها ... " .
4- أقرب طريق للوصول للقلوب:
يوم يتنزه الناصح والداعي عن المطامع وحطام الدنيا تعلو مكانته عند الناس، ويعظم قدره في عيونهم، ويرون صدق إخلاصه، فيكون لذلك أثره في القبول: } إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ }، ما لي عندكم من غرض، ولا فيكم من مآرب، إلا أن يجري الله الخير على يدي بما أقول، إبراء لذمتي ، وهذا هو سبيل المتجردين.
** حال التجرد :
إن التجرد مرتبة سامقة ، تحتاج لمجاهدة، ولا ينالها إلا من ألزم نفسه الطاعات وألجمها عن الشهوات وصرفها عن الشبهات.
قال المتنبي مخاطبًا نفسه: تُرِيدينَ إتيانَ المعالي رخيصةً *** ولا بد دون الشهدِ من إبْرِ النَّحلِ
- وهذه بعض من أحوال المتجردين :
1- إن المتجرد لدعوته يتقن عبادته:
، ففي صلاته يوقن أن التجرد شرط قبولها ، وهو لا يمن بصدقته على أحد ، وعند صومه يجرد نفسه من جميع شهواته ، وفى الحج يتجلى التجرد فى أسمى معانيه فى كل حركاته وسكناته.
2- والمتجرد لدعوته يرتفع عن الإنتصار لذاته :
ولا ينتهز الفرص لتصفية الحسابات ممن خالفه فى رأى أو مشورة، ويقتدي فى ذلك بأمير المؤمنين على – رضى الله عنه – عندما علا بسيفه على رجل من أهل الشرك في معركة مع الأعداء، فسبه الرجل وبصق في وجهه، فأمسك علي سيفه وتركه، فقيل لم؟ قال: خشيت أن أنتصر لنفسي فلا أكون قتلته ابتغاء مرضات الله عز وجل!
3- والمتجرد لدعوته تسرى الدعوة فى حياته :
نعم تسرى كما يسرى الماء فى عروق الشجر والكهرباء فى الأسلاك ،وتظهر فى أخلاقه وعبادته، فيرق قلبه وتخشع نفسه، وتزداد رغبته فى الدعوة ويشتد اهتمامه بها وحرصه عليها وإيفاؤه لحقوقها، حتى تثمر جهوده وقد لا تثمر فى الدنيا وقد تثمر بعد حياته، فهذا هو النبي- صلى الله عليه وسلم- يخاطب بقوله تعالى:{وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ} يونس46
4- والمتجرد لدعوته علت همته :
قال ابن القيم في المدارج: " همة العبد إذا تعلقت بالحق تعالى طلباً صادقاً خالصاً محضاً فتلك هي الهمة العالية ". نعم علت الهمة ، فتعلقت بالله وحده ، وسعت لمرضاته ، وغضت الطرف عمن سواه . ورحم الله محمد بن واسع ، فما قصته؟! خرج قتيبة بن مسلم في الشمال تجاه كابل بأفغانستان، ووصل إلى تلك المشارف، ولما صف قتيبة بن مسلم الجيش وقابله الكفار قال قبل المعركة: التمسوا لي محمد بن واسع العابد الزاهد، فأتوا وإذا محمد بن واسع قد توضأ واتكأ على رمحه، ورفع سبابته إلى السماء يتمتم ويدعو الحي القيوم بالنصر }: وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ } فعادوا وأخبروا قتيبة بن مسلم فتهلل وجهه وقال: والله الذي لا إله إلا هو! لأصبع محمد بن واسع خيرٌ عندي من مائة ألف سيفٍ شهير ومائة ألف بطل طرير، وبدأت المعركة ونصر الله المسلمين، وانتهت المعركة وقدمت الغنائم من الذهب والفضة إلى قتيبة بن مسلم ، وكان يرى الكُتُل من الذهب والفضة والجواهر والكنوز تقدم إليه، فكان يقول للقواد: أترون أن أحداً من الناس يعطى هذا فيرده؟ قالوا: لا ما نرى أحداً من الناس يعطى شيئاً من الذهب والفضة ثم يرده، قال: والله لأرينكم رجالاً من أمة محمد- صلى الله عليه وسلم- الذهب والفضة عندهم أقل وأرخص من التراب، فقال: عليَّ بـ محمد بن واسع.
5- والمتجرد لدعوته يؤثر ماعند ربه :
فهو يؤمن بقول حبيبه : " ازهد فى الدنيا يحبك الله وازهد فيما فى أيدي الناس يحبك الناس ". رواه ابن ماجه وصححه الألباني . ومن هنا قرأنا في تاريخنا قصة ذلك الذي عثر على حق من الجوهر الغالي الثمين في القادسية ، فقدمه إلى الأمير طائعا ، فعجب من أمانته وقال: (إن رجلا يتقدم بمثل هذا لأمين , ما اسمك؟ حتى أكتب به إلى أمير المؤمنين فيجزل عطاءك ، ويعرف اسمك) فقال الرجل:(لو أردت وجه أمير المؤمنين ما جئت بهذا،وما وصل علمه إليك ولا إليه،ولكن أردت وجه الله الذي يعلم السر وأخفى،وحسبي علمه ومثوبته).وانصرف ولم يذكر اسمه، وآثر ما عند الله على ما عند الناس.
6- المتجرد لدعوته متحرر من هوى نفسه:
فلقد حذر القرآن الكريم أشد التحذير من إتباع الهوى، يقول تعالى لداود عليه السلام: " يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّه " ويقول تعالى لنبيه محمد عليه السلام في شأن المعرضين عن دعوته: " فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّه ". وهذا الهوى المتحكم هو الذي بجعل الإنسان يستمع إلى الحق فلا يعي منه شيئاً ، فهو يريد إخضاع كل شئ لهواه، فالنصوص عنده تابعة لا متبوعة، والنتائج عنده سابقة على المقدمات، فهو لا يقرأ ليصل للحقيقة أياً كانت، بل يقرأ ويبحث عما يعضد فكرته، وينصر رأيه ومعتقده. فإن وجد ما يسنده – ولو من بعيد – هلل وكبر، وإن وجد ما يعارضه غض الطرف عنه، واجتهد في إهالة التراب عليه لو استطاع، وإلا صوَّب إليه سهام التأويل المتكلف. فهو لا يعى ما أشار إليه الإمام الشافعي رحمه الله تعالى حين قال:" ما ناظرت أحداً قط فأحببت أن يخطئ" ،وقال أيضا :" ما كلمت أحداً قط إلا أحببت أن يوفق ويسدد ويعان ، وما كلمت أحداً قط إلا ولم أبال بَيّنَ الله الحق على لساني أو لسانه".
ومن الأدعية المأثورة ما أخرجه مسلم أنه صلى الله عليه وسلم كان يفتتح صلاته من الليل: (اللَّهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ). فإذا كان الرسول المؤيَّد بالوحي يدعو الله تعالى بهذا الدعاء الجامع الحار، يسأله الهداية لما اختلف فيه من الحق، أي: الزيادة فيها والثبات عليها. فكل ناشد للحق أولى بهذا الدعاء. فما أحوجنا أن نتجرد في طلبنا للحق وأن ندور معه حيث دار، وأن ننصره حيث كان ومن أي جهة صدر، فإنه وربي من علامة الصدق والإخلاص.
بهذه المعانى السامية ، والأخلاق المتينة تنتصر الدعوات وتتحقق الأمنيات وننال رضا رب البريات . أسأل الله أن يرزقنا التجرد فى أسمى معانيه.
30/05/2011
مشروعية صلاة النوافل في جماعة
مع استعادة الشعب المصري الكريم لحريته أخذت كثير من المساجد تستعيد حريتها، وبدأت تأخذ دورها الطبيعي والحقيقي، كمنارات تعليمية ومحاضن تربوية، وجعل الشباب يتنادون لحضور مجالس العلم والحرص على صلاة الجماعة، والاجتهاد في النوافل، والمشاركة في قيام الليل.
وفي هذا الصدد، وتشجيعًا على التعوُّد على قيام الليل، تنادَى بعض الشباب للتجمع في بعض الليالي وصلاة بعض النوافل في جماعة وذلك بما يعرف بالليالى الإيمانية أو الكتائب.
ومن ثَمَّ كثر السؤالُ عن مشروعية صلاة النوافل في جماعة
الأصل في النوافل- غير التراويح والعيدين وصلاة الكسوف والاستسقاء- أن يصليها العبد منفردًا، وأن يصليها أو يصلي أكثرها في البيت، وقد كان هذا أكثر فعل النبي، صلى الله عليه وسلم.
لكنْ لا مانع شرعًا عند جمهور العلماء أن يصليها في جماعة، مثلما يحدث في قيام رمضان.
وقد سئل الإمام مالك، رحمه الله، عن الرجل يؤم الرجل في النافلة؟! فقال: ما أرى بذلك بأسًا (1)، وَقَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ الْقَوْمُ جَمَاعَةً النَّافِلَةَ فِي نَهَارٍ أَوْ لَيْلٍ، قَالَ: وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ يَجْمَعُ الصَّلَاةَ النَّافِلَةَ بِأَهْلِ بَيْتِهِ وَغَيْرِهِمْ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ" (2).
ومن أدلة مشروعية ذلك:
ما أخرجه الشيخان من قصة مبيت ابن عباس رضي الله عنهما عند خالته ميمونة، رضي الله عنها، زوج النبي، صلى الله عليه وسلم، وصلاته خلف النبي، صلى الله عليه وسلم، تلك الليلة (3)، وقد كان ذلك تطوعًا، كما جاء صريحًا في رواية عند مسلم عن عطاء بن أبي رباح عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بِتُّ ذَاتَ لَيْلَةٍ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ، فَقَامَ النَّبِيُّ، صلى الله عليه وسلم، يُصَلِّي مُتَطَوِّعًا مِنَ اللّيْلِ، فَقَامَ النَّبِيُّ، صلى الله عليه وسلم، إِلَى الْقِرْبَةِ، فَتَوَضَّأَ فَقَامَ فَصَلَّى، فَقُمْتُ لَمَّا رَأَيْتُهُ صَنَعَ ذَلِكَ، فَتَوَضَّأْتُ مِنَ الْقِرْبَةِ، ثُمَّ قُمْتُ إِلَى شِقِّهِ الأَيْسَرِ، فَأَخَذَ بِيَدِي مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ يَعْدِلُنِي كَذَلِكَ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ إِلَى الشِّقِّ الأَيْمَنِ. قُلْتُ: أَفِي التَّطَوُّعِ كَانَ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ (4).
ومن أدلة ذلك:
ما أخرجه مسلم عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم، ذَاتَ لَيْلَةٍ فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ، فَقُلْتُ: يَرْكَعُ عِنْدَ الْمائَةِ، ثُمَّ مَضَى، فَقُلْتُ: يُصَلِّى بِهَا في رَكْعَةٍ، فَمَضَى، فَقُلْتُ: يَرْكَعُ بِهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ فَقَرَأَهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا، يَقْرَأُ مُتَرَسِّلًا، إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ، وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ، وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ، ثُمَّ رَكَعَ فَجَعَلَ يَقُولُ: "سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ"، فَكَانَ رُكُوعُهُ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ، ثُمَّ قَالَ: "سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ"، ثُمَّ قَامَ طَوِيلًا قَرِيبًا مِمَّا رَكَعَ، ثُمَّ سَجَدَ فَقَالَ: "سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى" فَكَانَ سُجُودُهُ قَرِيبًا مِنْ قِيَامِهِ (5).
ولئن قال قائل: إن ما فعله ابن عباس وربما أيضًا ما فعله حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما إنما يدل على جواز الدخول الفردي في الصلاة خلف مصلٍّ آخر من غير أن يقصد أيٌّ منهما الصلاة في جماعة قصدًا؛ فإن حديث أنس بن مالك التالي يدل على أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قصد الجماعة به وبآل بيته في النافلة، وذلك فيما أخرجه الشيخان عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ دَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ لَهُ، فَأَكَلَ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ: "قُومُوا فَلأُصَلِّ لَكُمْ" قَالَ أَنَسٌ: فَقُمْتُ إِلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدِ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ، فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، وَصَفَفْتُ وَالْيَتِيمُ وَرَاءَهُ، وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا، فَصَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ (6).
ولا ريب أن ذلك كان في نافلة؛ إذ الفريضة كان النبي، صلى الله عليه وسلم، يصليها جماعة في المسجد.
ويدل على أنه لم يكن يصلي بهم المكتوبة ما جاء في إحدى روايات مسلم قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُ، صلى الله عليه وسلم، عَلَيْنَا، وَمَا هُوَ إِلاَّ أَنَا وَأُمِّي وَأُمُّ حَرَامٍ خَالَتِي، فَقَالَ: "قُومُوا فَلأُصَلِّيَ بِكُمْ" فِي غَيْرِ وَقْتِ صَلاَةٍ، فَصَلَّى بِنَا.. الحديث (7).
ومن أدلة مشروعية ذلك:
ما أخرج البخاري عن عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ الأَنْصَارِيَّ، ثُمَّ أَحَد بَنِي سَالِمٍ قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي لِقَوْمِي بَنِي سَالِمٍ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ، صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: إِنِّي أَنْكَرْتُ بَصَرِي، وَإِنَّ السُّيُولَ تَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَ مَسْجِدِ قَوْمِي، فَلَوَدِدْتُ أَنَّكَ جِئْتَ فَصَلَّيْتَ فِي بَيْتِي مَكَانًا، حَتَّى أَتَّخِذَهُ مَسْجِدًا. فَقَالَ: "أَفْعَلُ إِنْ شَاءَ اللَّه" فَغَدَا عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، وَأَبُو بَكْرٍ مَعَهُ بَعْدَ مَا اشْتَدَّ النَّهَارُ، فَاسْتَأْذَنَ النَّبِيُ، صلى الله عليه وسلم، فَأَذِنْتُ لَهُ، فَلَمْ يَجْلِسْ حَتَّى قَالَ: "أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ؟" فَأَشَارَ إِلَيْهِ مِنَ الْمَكَانِ الَّذِى أَحَبَّ أَنْ يُصَلِّىَ فِيه، فَقَامَ فَصَفَفْنَا خَلْفَهُ ثُمَّ سَلَّمَ، وَسَلَّمْنَا حِينَ سَلَّمَ.
قال الشافعي في (الأم) بعد أن روى حديثي ابن عباس وأنس وغيرهما: "فما حكيتُ من هذه الأحاديث يدل على الإمامة في النافلة ليلاً ونهارًا جائزة، وأنها كالإمامة في المكتوبة لا يختلفان" (8).
قال النووي في (المجموع) بعد أن ذكر جواز الجماعة في النافلة، ورفض القول بالكراهة: "وقد نص الشافعي- رحمه الله- في مختصري البويطي والربيع على أنه لا بأس بالجماعة في النافلة، ودليل جوازها جماعة أحاديث كثيرة في الصحيح" (9).
وقال العراقي في الفوائد المتعلقة بحديث عائشة في قيام النبي في رمضان: "الْخَامِسَةُ: فِيهِ جَوَازُ النَّافِلَةِ جَمَاعَةً، وَإِنْ كَانَ الِاخْتِيَارُ فِيهَا الِانْفِرَادُ، إلَّا فِي نَوَافِلَ مَخْصُوصَةٍ وَهِيَ الْعِيدُ وَالْكُسُوفُ وَالِاسْتِسْقَاءُ وَكَذَا التَّرَاوِيحُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَذَهَبَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ إلَى اسْتِحْبَابِ الْجَمَاعَةِ فِي مُطْلَقِ النَّوَافِلِ" (10).
وقال ابن تيمية رحمه الله: "والاجتماع على صلاة النفل أحيانًا مما تستحب فيه الجماعة إذا لم يتخذ راتبة، وكذا إذا كان لمصلحة؛ مثل أن لا يحسن أن يصلي وحده، أو لا ينشط وحده؛ فالجماعة أفضل إذا لم تُتخذ راتبةً، وفعلها في البيت أفضل؛ إلا لمصلحة راجحة" (11).
وجاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" في مادة (قيام الليل): "7- ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يجوز التطوّع جماعةً وفرادى؛ لأنّ النّبي، صلى الله عليه وسلم، فعل الأمرين كليهما"، وخالف في ذلك بعض أهل العلم، فكرهوا صلاة النافلة في جماعة، قَالَ محمد بن الحسن: "وَلَا تُصَلَّى نَافِلَةٌ فِي جَمَاعَةٍ إلَّا قِيَامَ رَمَضَانَ وَصَلَاةَ الْكُسُوفِ" (12).
وجاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" في مادة (قيام الليل): "7- ونص الحنفية على كراهة الجماعة في التطوّع إذا كان على سبيل التداعي، بأن يقتدي أربعة بواحد".
وقال ابن أبي زمنين في التعليق على قول مالك بجواز صلاة النافلة في جماعة: "مُرَادُهُ: الْجَمْعُ الْقَلِيلُ خُفْيَةً كَثَلَاثَةٍ؛ لِئَلَّا يَظُنَّهُ الْعَامَّةُ مِنْ جُمْلَةِ الْفَرَائِضِ" (13).
ولا أدري ما وجه التفريق بين الجمع القليل والجمع الكثير، وما وجه التقييد بكونها في خفية؟! ولعل مرد ذلك إلى خوف الرياء، أما التعليل بخوف ظن العوام أن ذلك من الفرائض فمردود عليه بأن من الواجب تعليم العامة الفرق بين النافلة والفريضة، خصوصًا وقد انتهى زمن التشريع بوفاة النبي، صلى الله عليه وسلم، ومن الميسور للغاية التنبيه على أن هذه الصلاة إنما هي نافلة، كيف وقد شاع لدى الأمة الاجتماع في قيام رمضان، وصار ذلك معلومًا للعامة والخاصة، من غير أن يقع في ظن أحد أنه من الفرائض، والله أعلم.
والأحاديث المذكورة من قبل حجةٌ على القائلين بالكراهة، ففيها التصريح بأن صلاة ابن عباس وحذيفة وعتبان بن مالك وصلاة أنس وأهل بيته خلف النبي، صلى الله عليه وسلم، كانت تطوعًا.
والصحيح رأي جمهور العلماء، وقد فعله كثير من الصحابة، رضي الله عنهم، منهم عمر، وابن مسعود، وابن الزبير، وغيرهم:
فعن عبد الله بن عتبة قال: دَخَلْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رضي الله عنه، وهو يصلي في الْهَاجِرَةِ (وهي نصف النهار قبل الظهر أو بعده) تطوعًا- في رواية: فَوَجَدْتُهُ يُسَبِّحُ (أي يصلي نافلة)- فأقامني حذوه عَنْ يَمِينِهِ، فلم يزل كذلك حتى دخل يَرْفَأ مولاه فتأخرتُ، فصففنا خلف عمر رضي الله عنه (14).
وعن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود، قال: دخلت مع أبي المسجد، والناس صفوف في صلاة الصبح، فخنَس دونهم، فأقامني عن يمينه، فصلى ركعتين، ثم لحق بالصف.
وعن هشام بن عروة، قال: رأيت عبد الله بن الزبير، رضي الله عنهما، يؤمُّهم في المسجد الحرام بالنوافل، ووراءه شيوخ من أهل الفقه والصلاح، يرون أن ذلك حسن.
قال هشام: إن الإمام كان يؤمهم في المكتوبة، ثم يدخل الدار، فيسبح (أي يتنفَّل) ويسبحون بصلاته، وهو يؤمهم (15).
وبهذا كله يتبين مشروعية ما يفعله كثير من الإخوان من صلاة النوافل أو قيام الليل في جماعة، مع التنبيه على عدم اتخاذ ذلك عادةً راتبةً، والله أعلم.
---------
الحواشي:
(1) مختصر قيام رمضان لمحمد بن نصر المروزي ص26.
(2) المدونة الكبرى 1/97.
(3) انظر القصة برواياتها عند البخاري (117،138،183،697،726،728،859، 24،1198،4569،4570،4571، 5919،6215،6316،7452)، ومسلم (763/181: 193).
(4) أخرجه مسلم (763/192).
(5) أخرجه مسلم (203 / 772).
(6) أخرجه البخاري (380،727،860،871، 874، 1164)، ومسلم (457/266).
(7) أخرجه مسلم (660/268).
(8) الأم 1/196.
(9) المجموع 4/55.
(10) طرح التثريب 3/409.
(11) مختصر الفتاوى المصرية ص81.
(12) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للكاساني 2/250.
(13) مواهب الجليل في شرح مختصر الشيخ خليل.
(14) أخرجه مالك في كتاب: قصر الصلاة في السفر، (32)، وعبد الرزاق (3888-889).
(15) مختصر قيام رمضان ص25.
11/05/2011
الهوية الإسلامية بين الأصالة والإنحراف
- إن حمد الله والثناء عليه هو العبادة الواجبة والمستحقة فى هذه اللحظات الفارقة والمجيدة فى تاريخ أمتنا الحبيبة ، والتى فيها أذن الله للحق أن يسود ، ولدولته أن تعلو ،وللعدل أن ينتشر ، كما أنه بقدرته وقوته وجبروته شاء لدولة الباطل الباغية الظالمة أن تتهاوى وتندثر وتندحر" {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }
-نعم فالشكر لذي الفضل موصول:{وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ }والشكر يكون بالعودة إلى الإيمان والعمل الصالح، قال الله تعالى:" الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ" (الحج41)،- لقد كان فضل الله على الشعب المصري بل والعالم الإسلامي عظيما بهذه الثورة المباركة التي تمت يوم 25 يناير 2011 وأبهرت العالم كله ، ، حيث حفظ الله مصر ونجاها وخلصها من شرور المفسدين الطغاة ،ولم لا ؟!وهى من البلدان التى ذكرها الله فى قرآنه، فهى أرض الأنبياء والصالحين والشهداء والأطهار والأخيار ، فمصر مشى على أرضها نبى الله إبراهيم وإسماعيل وإدريس ويعقوب ويوسف والكثير من أصحاب رسول الله، وعاش على أرضها أم موسى وأم عيسى عليهم جميعا السلام، وقال عنها عمرو بن العاص "ولاية مصر تعدل الخلافة".- مصر نامت ومرضت وطال مرضها، لكن ما ماتت بتقدير الله، فالأشخاص المفسدون إلى زوال وفناء، وسبحان مغير الأحوال !! أين أصحاب النفوذ والسلطان الذين كانت تتزلزل الأرض تحت أقدامهم ؟ إنهم الآن يشربون من الكأس الذى سقوا منه الملايين من شعبنا الطيب ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم }إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته) قال : ثم قرأ :}وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ{ متفق عليه
- لقد عشنا سنين عجاف ، انقلب فيها الحال ، فعظم الحقير وحقر العظيم ، ونكست الحياة تنكيسا ، ووصلنا للحال الذى أشار إليه الحبيب : }"سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتٌ، يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الأَمِينُ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ" قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: "الرَّجُلُ التَّافِهُ- وفي رواية: السَّفِيهُ، وفي رواية: الْفُوَيْسِقُ- يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ".- كان النفاق هو سلم الوصول وطريق القبول ، والتزلف بمعسول القول للمسئولين الظلمة كان أوراق الاعتماد لديهم ، وهذه كانت الكارثة ، كهذا المنافق الكذوب :
الشاعر محمد بن هانيء الاندلسي : يتزلّف; للسلطان " الخليفة المعز لدين الله الفاطمي " ويرجو رضاه بحفنة من الدنانير..فيقول له ويا قبيح ماقال: ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحـكم فأنت الواحد القهار- بل ومنهم من يقلب الحقائق، ويرتزق من ورائها؛فقد كان أحد الشعراء في العهد المملوكي في مصر بعد أن أصابها زلزال جاء إلى الحاكم، فقال متملقاً ببيت من الشعر: ما زُلْزِلت مصرُ من كيدٍ أُريد بها *** لكنها رقصت من عدلكم طرباً !!
لا بل تأمل هذا المثل :فلما كانت الجمعة الثالثة قال مثل مقالته، فقام رجل ممَّن شهد المسجد فقال: كلا، بل المال مالنا، والفيء فيئنا، من حال بيننا وبينه حاكمناه بأسيافنا. فلما صلى أمر بالرجل فأُدخل عليه، فأجلسه معه على السرير، ثم أذن للناس فدخلوا عليه، ثم قال: أيها الناس! إني تكلمت في أول جمعة فلم يردَّ عليَّ أحد، وفي الثانية فلم يردَّ علي أحد، فلما كانت الثالثة أحياني هذا أحياه الله، سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: "سيأتي قوم يتكلمون فلا يُرَدُّ عليهم، يتقاحمون في النار تقاحم القردة، فخشيت أن يجعلني الله منهم، فلمَّا ردَّ هذا عليَّ أحياني أحياه الله، ورجوت أن لا يجعلني الله منهم" (حسنه الألباني في السلسلة الصحيحة
- ولعل ماحدث هو بداية للعهد الجميل الذى بشرنا به رسول الله :
*ولكن....بعد الثورة....حدث مالم يكن فى الحسبان:أصبح ذكر الإسلام مفزعة ، والبعد عن ذكره منجاة ،
وأصبح الناس أمام المشروع الإسلامي ونهضته ،أمام الهوية الإسلامية واحد من ستة :
ا- مؤمن به :
- يُروَى أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه خطب في يوم جمعة فقال: إنما المال مالنا، والفيء فيئنا، مَنْ شئنا أعطيْنَا، ومَنْ شئنا منعْنَا، فلم يردَّ عليه أحد. فلما كانت الجمعة الثانية قال مثل مقالته، فلم يردَّ عليه أحد.}تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا، فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَرْفَعَهَا ، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيّاً ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ ، ثُمَّ سَكَتَ )
*- ولا شك أن هؤلاء الأئمة دفعوا وسيدفعون نيابة عن أمتهم ثمن العزة والكرامة ، ولذلك فإن الكريم سبحانه سيحقق فيهم سنته التى لا تتبدل ولا تتغير ولكن فى الوقت الذى يقدِّره هو سبحانه{وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ}القصص5 وسيتحقق لهم مايريدون.
ب-مؤيد له:
وهم من أحبوا الإسلام ومشروعه ولكنهم لم يبدؤوا بعد ولم يلحقوا بقطاره .ولكنهم مستعدون ،ونقول لهم ابدؤا ونرجوا لهم أن يلحقوا بركب الأئمة :عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ مِنْ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ وَإِنَّ مِنْ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ مَغَالِيقَ لِلْخَيْرِ فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الْخَيْرِ عَلَى يَدَيْهِ وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الشَّرِّ عَلَى يَدَيْهِ"
جمتردد فى أمره
لا يدرى إلى أين يسير!. فنقول له هيا ولا تترد. فالناس رجلان : رجل صالح فى ذاته ورجل فاسد فى ذاته وهؤلاء وهؤلاء يلقون جزءهم عند لقاء ربهم {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ }آل عمران30 .فحدد الآن الآن موقفك والحق بركب الخير.
د-جاهل به :فهذا يحتاج إلى تعليم فعلموه ، وهذا واجب الصنف الأول.
ه-نفعى :هؤلاء يدورون مع مصالحهم ، كحال من قال الله فيهم " ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين" كحال من ذهبوا من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين مع أحداث الثورة. ونقول لهؤلاء ، هذه ليست بأخلاق الكبار ، لا تهيمون على وجوهكم ، ولا تأكلون على كل الموائد. فهذا هو طريق النفاق ونعيذكم بالله منه " {مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَـؤُلاء وَلاَ إِلَى هَـؤُلاء وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً }.
و- متحامل عليه :وهم أئمة فى الشر وفيهم قال الله {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ }القصص41 وهؤلاء سيحملون أوزارهم وأوزار من يتبعهم يوم القيامة {لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ } حيث يكون الموقف عسيرا هكذا {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا *رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً }الأحزاب67 -68}. وسيخيب مسعاهم.
ولكن أصبح الصوت العالى اليوم للمتحاملين: الذين صاروا يحذرون من وصول الإخوان للحكم، يحذرون من الإسلاميين ،ومما زاد الصورة عتمة ماحدث بعد الثورة من قيام بعض المحسوبين على الفكرة الإسلامية ببعض الأعمال الصبيانية التى لا عقل ولا دين صحيح وراءها كقيامهم بهدم بعض الأضرحة ، وإعلان آخرين الفوز والنصر بغزوة أطلقوا عليها غزوة الصناديق ، وكذا ماقام به شرذمة من قطع أذن مسيحي ، وعمل بعضهم على اعتلاء المنابر بالقوة ، وأيضا المطالبة بالشرطة الحسبية لمنع المنكرات فى الشوارع...والبعض يمسك بلا فتات مكتوب عليها نريد دولة دينية لا مدنية ولا علمانية ، كلا م" لخبطة " فكأن عكس الدولة الدينية الدولة الكفرية...ويبدوا أن الجعبة مازالت ملأى بهذا التُّرَّهات.*ولذا لا بد وأن نقف مع أنفسنا بعد الثورة وقفة تصحيحية حتى لا نتطرف ذات اليمين أو ذات الشمال ، فلا نعتقد ما يعتقده هؤلاء المناوئون للفكرة الإسلامية ، أو نضع أنفسنا فى موضع المتهم الذى يحاول تبرئة ساحته فتضيع الهوية الإسلامية لأمتنا ، وننسى هدفنا الرئيس وهو تحكيم شرع الله فى الأرض، ولا نتحرك بالفكرة الإسلامية فى نفس الوقت بمثل هذه الجهالة التى تحرك بها نفر حديث عهد بسياسة.
- فمن حقنا أن يكون لنا مرجعية إسلامية للدولة المدنية ، كما أن لغيرنا مرجعية ماركسية ورأسمالية.* الإسلام بشعائره وشرائعه ينقسم إلى :
عقيدة وعبادة : وهى التى تنظم علاقة المسلم بربه ، وهى لا تأخذ من المسلم حوالي 5 % من عمره،وهذه لا اجتهاد فيها.أخلاق وسلوك : وهى علاقة المسلم بالغير ،وهى التى تمثل قواعد استقرار المجتمع كتشريعات الزنا والسرقة والكذب. وهى محدودة أيضا ولا خلاف عليها بين كل الشرائع.
تشريعات عامة : وهى التى تنظم حياة المجتمع ،والعلاقات الداخلية والخارجية للدولة الإسلامية وهى جل الإسلام ، وهذه تضمن السعادة للمسلم ولغير المسلم ، وفيها من الاجتهاد ما يواكب تقدم العصر وتقدمه.وهذا كله يكون فى ظل دولة مدنية.* وهناك فرق بين الدولة الدينية التى يخافها الناس والاعتزاز بالهوية الإسلامية
- ولا مبرر لخوف حتى غير المسلمين: ويكفي أن نذكر بقول الله تعالى "وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ" وقال :{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ{﴿٢٥٦البقرة﴾.
الواجبات :
1- التمسك بالهوية الإسلامية
فالإسلام هو:
1- الدين عند الله: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ﴾ آل عمران: 19.
2- الدين المقبول: ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِين﴾ آل عمران: 85.3- هو الدين المرتضى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا﴾ المائدة: 3.
4- هو دين الرسل جميعاً، قال صلى الله عليه وسلم: "الأنبياء أبناء علاّت دينهم واحد وأمهاتهم شتى". رواه البخاري ، ومسلم . قال العلماء : أولاد العلات بفتح العين المهملة وتشديد اللام هم الإخوة لأب من أمهات شتى . وأما الإخوة من الأبوين فيقال لهم أولاد الأعيان . ومعنى الحديث أصل إيمانهم واحد ، وشرائعهم مختلفة ، فإنهم متفقون في أصول التوحيد ، وأما فروع الشرائع فوقع فيها الاختلاف., وهذا ما أخبر الله تعالى به عن حال الأنبياء السابقين كيف أنهم دانوا بالإسلام وأعلنوا ذلك إلى قيام الساعة , فهذا نوح عليه السلام قال الله تعالى على لسانه :{وأمرت أن أكون من المسلمين}, وهذا إبراهيم عليه السلام جاء قومه بالإسلام ووصاهم به فقال تعالى :{ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بنيّ إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا و أنتم مسلمون}, وهذا يوسف عليه السلام يدعو ربه دعاءه المعروف بقوله تعالى :{توفني مسلما وألحقني بالصالحين}, وهذا موسى عليه السلام يؤكد لقومه الالتزام بالإسلام فقال تعالى :{وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين}, وهذا عيسى عليه السلام قرر قومه بالإسلام فقال تعالى :{فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنّا مسلمون}, وهذا خير خلق الله محمد صلى الله عليه وسلم يعلنها لكل البشرية قائدا معتزا بإسلامه حيث قال الله تعالى :{قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين وأمرت لأن أكون أول المسلمين{.5- هو الدين الذي يجب أن يموت عليه الإنسان: ﴿وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون﴾ [ البقرة: 132.
وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون﴾ آل عمران: 102.وفي قوله: ﴿وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون﴾ فوائد:
ا- الحرص على تعليم الإسلام وفهمه وتطبيقه والدعوة إليه على بصيرة.ب- المحافظة على الإسلام نقياً حتى يدركك الموت: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِين﴾ [الحِجر: 99].
ج-الحرص على حسن الخاتمة فالأعمال بالخواتيم.د- الحرص على الدعاء المأثور الذي قال نبي الله يوسف: ﴿تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِين﴾ يوسف: 101.
العزة لا تكون إلا من الله:
-- من طبيعة البشر وفطرتهم التي فطرهم الله عليها أن يعتزوا دائما بنسب أو مال أو جاه أو غيره, فالإنسان مجبول على حب البحث عن العزة بأي سبب من الأسباب .نعم يميل الإنسان إلى الاحتماء بقوة عظيمة يستمدّ منها العون، والغلبة، والنصر، فيجعلها مصدر قوة يتقوّى بها، ومبعث فخرٍ يتشرّف بالانتماء إليها. فإذا رأى إنسان ما أنّ تميّزه يكمن في انتمائه إلى بلدٍ ما أو قوميةٍ ما أو جنسيةٍ ما أو طبقةٍ ما، جعل من بلده أو قوميته أو جنسيته أو طبقته مصدر قوّته ، ومبعث فخره ، فيعتزّ بها ويباهي بالانتساب إليها.
إن الناس فى ذلك أقسام؛أول قسم منهم الكفار :
هؤلاء الذين يعتزون بكفرهم وشركهم وقديما اعتز المشركون بعبادتهم للأوثان , فقال تعالى {وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُوا لَهُمْ عِزّاً * كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً {مريم81 82-, وهؤلاء سحرة فرعون ظنوا أن العزة بيد فرعون فتحدوا موسى بذلك , فقال تعالى :{وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ }الشعراء44 وهذا القسم من الناس خائب في الدنيا خاسر في الآخرة .والقسم الثاني : هم المنافقون :
الذين يطلبون العزة من موالاة الكفار والترامي في أحضان أعداء الأمة ظانين أن الغلبة لهؤلاء ، متجاهلين سنن الله في الكون . فقال تعالى في وصف هؤلاء {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ *
فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ }المائدة51 -52. وتجد هؤلاء القوم يصرون على موقفهم مع أن الله سبحانه أخبرنا في كتابه خطأ ظنهم , وحسم العزة لنفسه جل جلاله , فقال تعالى : { بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً *الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً }النساء138-139. وهذا القسم خائب أيضا في الدنيا وخاسر في الآخرة.
أما القسم الثالث : فهم المؤمنون الصادقون :الذين ارتضوا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا ،هؤلاء الذين علموا وتيقنوا أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين , وساروا طلبا للعزة منطلقين من قوله تعالى : { مَن كَانَ يُرِيدُ الْعزّة فَلِلَّهِ الْعزّة جَمِيعًا{
(فاطر: 10).
وقد أبطل الإسلام اعتزاز البشر بالبشر أو بقومياتهم أو بأعراقهم أو بغير ذلك، وجعل الاعتزاز بالله عزّ وجلّ وحده. قال تعالى: «وَلِلهِ الْعزّة وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ» (المنافقون: 8)فالمؤمن يعلم أن الله سبحانه هو الذي يعز ويذل , وهو الذي يؤتي الملك وينزعه ولا يقوم بذلك إنس ولا جن لا ملك ولاحاكم ولا طاغوت ولا سواهم ؛ مصداقا لقوله تعالى {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌحج هشام بن عبد الملك، فلما كان في الطواف رأى سالم بن عبد الله وهو يطوف وحذاؤه في يديه، وعليه ثياب لا تساوي ثلاثة عشر درهماً، فقال له هشام: يا سالم، أتريد حاجة أقضيها لك؟ قال سالم: أما تستحي من الله، تعرض عليّ الحوائج وأنا في بيت من لا يُعوز إلى غيره؟! فسكت هشام، فلما خرجا من الحرم قال له: هل تريد شيئاً؟ قال سالم: أمن حوائج الدنيا أو الآخرة؟ فقال: من حوائج الدنيا. فقال سالم: والله الذي لا إله إلا هو ما سألت حوائج الدنيا من الذي يملكها تبارك وتعالى، فكيف أسألها منك؟الإسلام طريق العزة:
إن الحق يخاطب حبيبه قائلاً: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْـأَلُونَ الزخرف:44. أي: شرف لك وشرف لقومك وشرف لأتباعك إلى يوم القيامة.وممـا زادني شـرفاً وتيهـاً ** وكدت بإخمصي أطأ الثريادخولي تحت قولك يا عبادي ** وأن صيرت أحمد لي نبياً
جاء جليبيب إلى رسول الله ، فتبسم عليه الصلاة والسلام لما رآه، وقال: ((يا جليبيب أتريد الزواج))؟ فقال: يا رسول الله، من يزوجني ولا أسرة عندي ولا مال ولا دار ولا شيء من متاع الدنيا؟! فقال عليه الصلاة والسلام: ((اذهب إلى ذلك البيت من بيوت الأنصار، فأقرئهم مني السلام، وقل لهم: إن رسول الله يأمركم أن تزوجوني))، فذهب وطرق عليهم الباب، فخرج رب البيت، ورأى جليبيباً، فقال له: ماذا تريد؟ فأخبره الخبر، فعاد إلى زوجته، فشاورها، ثم قالوا: ليته غير جليبيب، لا نسب ولا مال ولا دار، فشاروا الفتاة، فقالت: وهل نرد رسول رسول الله فتزوج بها.وحضر النبي غزوة من الغزوات، فلما كتب لهم النصر قال النبي لأصحابه: ((هل تفقدون من أحد))؟ قالوا: نعم، فلاناً وفلاناً وفلاناً، ثم قال : ((لكني أفقد جليبيباً، فاطلبوه))، فطلب في القتلى، فوجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم، ثم قتلوه، فأتى النبي فوقف عليه، فقال: ((قتل سبعة ثم قتلوه، هذا مني وأنا منه))، ثم وضعه على ساعديه، ليس له إلا ساعدا النبي ، ثم حفر له ووضع في قبره. [المسند ، مسلم].فانظروا – رحمكم الله – إلى هذا الرجل الذي يفتخر به النبي ، ويضع ساعده الشريف وسادة له حتى يحفر له القبر إكراماً له، مع أنه من الفقراء في المال، لكنه من الأعزاء بالإسلام المتشرفين بالانتساب له.إنهم عظماء؛ لأنهم عاشوا في كنف محمد .
لقد كان في وسع التاريخ أن يمر بهذا الرجل كما مر بملايين العرب من قبله دون أن يأبه لهم أو يخطروا له على بال ، لكن الإسلام العظيم أتاح لعبدالله بن حذافة السهمي أن يلقى كسرى ملك الفرس ، يروها لسان التاريخ . ففي السنة التاسعة عشرة للهجرة بعث سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه جيشا لحرب الروم فيه عبد الله بن حذافة وكان قيصر الروم قد تناهت إليه أخبار المسلمين وما يتحلون به من صدق الإيمان واسترخاص النفس في سبيل الله ورسوله ، فأمر رجاله إذا ظفروا بأسير من أسرى المسلمين أن يبقوا عليه وأن يأتو به حيا .. وكان عبد الله بن حذافة ممن وقع في الأسر. نظر ملك الروم إلى عبد الله بن حذافة طويلا ثم بادره قائلا : إني أعرض عليك أمراً !! قال : وما هو ؟ فقال : أعرض عليك أن تتنصر ... فإن فعلت خليت سبيلك ، وأكرمت مثواك ، فقال الأسير في أنفة وحزم : هيهات .. إن الموت لأحب إلي ألف مرة مما تدعوني إليه. فقال قيصر : إني لأراك رجلا شهما ... فإن أجبتني إلى ما أعرضه عليك أشركتك في أمري وقاسمتك سلطاني . فتبسم الأسير المكبل بقيوده وقال : والله لو أعطيتني جميع ما تملك ، وجميع ما ملكته العرب على أن أرجع عن دين محمد طرفة عين ما فعلت. قال : إذن أقتلك. قال : أنت وما تريد ، ثم أمر به فصلب ، وقال لقناصته - بالرومية - ارموه قريبا من رجليه ، وهو يعرض عليه مفارقة دينه فأبى. عند ذلك أمرهم أن يكفوا عنه ، وطلب إليهم أن ينزلوه عن خشبة الصلب ، ثم دعا بقدر عظيمة فصب فيها الزيت ورفعت على النار حتى غلت ثم دعا بأسيرين من أسارى المسلمين ، فأمر بأحدهما أن يلقى فيها فألقي ، فإذا لحمه يتفتت ، وإذا عظامه تبدو عارية... ثم التفت إلى عبد الله بن حذافة ودعاه إلى النصرانية ، فكان أشد إباء لها من قبل. فلما يأس منه ، أمر به أن يلقى في القدر التي ألقي فيها صاحباه فلما ذهب به دمعت عيناه ، فقال رجال قيصر لملكهم : إنه قد بكى ... فظن أنه قد جزع وقال : ردوه إلي ، فلما مثل بين يديه عرض عليه النصرانية فأبى ، فقال : ويحك ، فما الذي أبكاك إذا؟! فقال : أبكاني أني قلت في نفسي : تلقى الآن في هذه القدر ، فتذهب بنفسك ، وقد كنت أشتهي أن يكون لي بعدد ما في جسدي من شعر أنفس فتلقى كلها في هذا القدر في سبيل الله . فقال الطاغية : هل لك أن تقبل رأسي وأخلي عنك؟ فقال له عبد الله : وعن جميع أسارى المسلمين أيضا ؟ قال : وعن جميع أسارى المسلمين أيضا. قال عبد الله : فقلت في نفسي : عدو من اعداء الله ، أقبل رأسه فيخلي عني وعن أسارى المسلمين جميعا ، لا ضير في ذلك علي. ثم دنا منه وقبل رأسه ، فأمر ملك الروم أن يجمعوا له أسارى المسلمين ، وأن يدفعوهم إليه فدفعوا له. قدم عبد الله بن حذافة على عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وأخبره خبره ، فسر به الفاروق أعظم السرور ، ولما نظر إلى الأسرى قال : حق على كل مسلم أن يقبل رأس عبد الله بن حذافة .. وأنا أبدأ بذلك... ثم قام وقبل رأسه ...
رضى الله عنك ياسلمان الفارسي :فلاحرج من إعلان هويتك الإسلامية:إنّ المسلم الذي أدرك قيمة الإسلام وتميّزه، افتخر بالانتماء إليه، وتَشَرف بذلك. فاعتزّ بهذا الدّين، وبعقيدته، وبنظامه، وبقيمه، وبنمط عيشه، وافتخر بأنه جزء من الأمة الإسلامية. هذه الأمة التي قال فيها الله سبحانه وتعالى: «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا» (البقرة: 143) وقال فيها: «كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّه» (آل عمران: 110)،
فأعلنها صراحة فدعوتك منصورة:أنا مسلم وأقولها ملء الورى *** وعقيدتي نور الحياة وسؤددإن العقيدة في قلوب رجالها *** من ذرة أقوى وألف مهنّدلله أسعى خاضعاً ومجاهداً *** ولغير ربي جبهتي لم تسجدبالشرق أو بالغرب لست بمقتدي *** أنا قدوتي ماعشت شرع محمدحاشاي يطويني سراب خادع *** ومعي كتاب الله يسطع في يديروح الحياة ونورها وجمالها *** من حاد عنه ففي ظلام سرمديسنعيد للدنيا صباحاً مشرقاً *** ونضئ أنواراً بشرع محمدونقولها الله أكبر حسبنا *** وبمنهج الله المهيمن نقتدي- فلماذا يستحي البعض من أن يظهر أنه مسلم أو يطبق بعض شعائره علنا ! بل الأدهى والأمرّ أنك تجد في الأمة من يصر على تحويل كل قضاياها وأمورها إلى شرقية وغربية وقومية وحزبية وغيرها من الشعارات واللافتات والتفاهات التي لا تسمن ولا تغني من جوع ولا يتجرأ أبدا أن يتفوه بإسم الإسلام على لسانه وليته مضطرا لفعل ذلك , لهان الأمر قليلا ولكنه الجهل أحيانا والخبث والمكر أحيانا أكثر ؛ ألم ينصر الله سبحانه عباده الصالحين ويعدهم بميراث الأرض فقال تعالى :{ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ }الأنبياء105, وقال تعالى :{ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ }غافر51 و قال تعالى { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }النور55الاعتزاز بهذا الدين لا يكون بالكلام و حسب : رسالتك هى
الصلاح قبل الإصلاح :
فالنّاسُ أربعة: صالحٌ ومصلحٌ وفاسدٌ ومفسدٌ. ، أشدهم خطرا هو المفسد، وأعظمهم خيراً هو المصلح
وفى الحقيقة الصلاح والإصلاح وجهان لعملة واحدة إذا طمس أحد وجهى أى عملة لا تصلح للاستخدام. ولكن الصلاح يكون قبل الإصلاح .. كما أن الوقود قبل المسير .. والتربية قبل التعليموإنَّ المتَتَبِّعَ للمواضع التي ذُكِر فيها كلمة الإصلاحُ في القرآن يظهر له بوضوح أنَّ هذه الكلمة قد تبوّأت مكانًا عليًّا في هذا الكتاب، ويكفي للدِّلالة على أهميَّتها وبروزها أنْ ذُكِرت أكثرَ من مائةٍ وسبعين مرَّة بأساليبَ متنوِّعةٍ.لماذا الصلاح قبل الإصلاح؟2--لا يستقيم البناء إلا بذلك:﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ 4--أساس التمكين والنصر:}وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ { الانبياء:105،صلاح للنفس ابتداءً:ولذلك كان التعامل مع النفوس تغييرًا، ومع القلوب تطهيرًا، ومع العقول صياغةً هي أهم مهام الرسول صلى الله عليه وسلم: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (2)﴾ (الجمعة.ورَبط الله في كثيرٍ من الآياتِ بين ذكر التَّوبةِ وذكرِ الإصلاحِ، «التَّخْلِيَةِ وَالتَّحْلِيَةِ»؛ فكلُّ مُصْلِحٍ يبدأ بالتَّوبةِ للتَّطهير ، لينتهيَ إلى إحداث التَّغييرِ والإصلاحِ ، وفي هذا يقولُ الله: ﴿فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [المائدة: 39]، ويقول: ﴿إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَاعْتَصَمُواْ بِاللّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ لِلّهِ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً﴾ [النساء: 146].ويقول: ﴿ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُواْ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [النحل: 119].دليل الصلاح: التطهير -- هاهو –صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيح من رواية [أنس]، وكما في رواية [ابن اسحق] عن [أبي سعيد الخدري]، عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم-" أنه لما قسم غنائم حنين أعطى المهاجرين، وتألف قلوب بعض المشركين، ولم يعطِ الأنصار شيئًا، فوجدوا في أنفسهم، فقال قائلهم: وجد رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قومه فنسينا، وقال الآخر: غفر الله لرسول الله، يعطي قريشًا ويتركنا، وسيوفنا تقطر من دمائهم، فيذهب أحدهم، بل سيد من ساداتهم؛ [سعد بن عبادة] إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ويقول وينقل المقالة إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كما روى: ما أنت؟ يعني أين موقفك أنت، حدِّد موقفك، هل أنت منهم؟ فيقول: يا رسول الله ما أنا إلاّ رجل من قومي، قد أقول ما يقولون -ما يعرفون الخداع، وما يعرفون الالتواء، إنما صرحاء أتقياء أنقياء-. فقال -صلى الله عليه وسلم-: اجمعهم لي، فجمعهم، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: يا معشر الأنصار؛ ما حديث بلغني عنكم، ألم آتيكم ضُلالا فهداكم الله بي؟ وفقراء فأغناكم الله بي؟ وأعداء فألف الله بين قلوبكم بي؟ فيقولون: الله ورسوله أمنّ، الله ورسوله أمنّ. قال: ألا تجيبوني يا معشر الأنصار، والله لو شئتم لقلتم فصدقتم وصُدِّقتم: أتيتنا مُكذَّبًا فصدقناك، ومخذولا فنصرناك، وطريدًا فآويناك، وعائلا فواسيناك، أوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم على لعاعة من الدنيا تألفت بها قلوب أقوام ليسلموا، ووكلتكم إلى إسلامكم؟ والذي نفسي بيده، لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، ولو سلك الناس شِعْبًا وسلك الأنصار شعبًا لسلكت شعب الأنصار، اللهم ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار، أما ترضون أن يعود الناس بالشاة والبعير، وتعودون أنتم برسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فو الله لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به، ألا إنكم ستلقون بعدي أَثَرَة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض فبكى القوم حتى اخضلَّت لِحَاهُم بالدموع وهم يقولون: رضينا برسول الله قسمًا وحظًّا، رضينا برسول الله قسمًا وحظًّا." أرأيت كيف استلَّ -صلى الله عليه وسلم- ما في قلوبهم، إنه لو لم يكن فيها إيمان لَمَ استلَّ ما في قلوبهم -رضوان الله عليهم جميعًا-. ب-للجوارح :عصمة وحجاب عن المعاصي والشهوات والشبهات. يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما في الحديث الصحيح-:" لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن"
---------------------------
ج-للمال :نساء هذا البيت مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات متحجبات ممتثلات لأمر رب الأرض والسماوات، يخرج الزوج المؤمن من البيت المؤمن فتقول الزوجة: اتق الله فينا ولا تطعمنا إلا حلالا؛ فإنا نصبر على الجوع، ولا نصبر على النار. البيوت المؤمنة تُخْرج أشبال الإيمان، وإليكم هذا المثل: [عمر بن عبد العزيز] -عليه رحمة الله ورضوانه- في يوم العيد، وهو خليفة المسلمين يدخل رجال المسلمين ليهنئونه ويدعون له بقبول الصيام والقيام، ثم يذهب الرجال ويدخل الأطفال؛ أطفال الرعية فدخلوا في هيئة حسنة وجميلة، وبينهم طفل من أطفال عمر ثيابه خَلِقَة وثيابه بالية، طأطأ رأسه وبكى، فقال هذا الطفل الصغير، والذي تربى على الإيمان: أبتاه ما الذي طأطأ بك رأسك وأبكاك، قال: يا بني -والله- ما من شيء إلا أني خشيت أن ينكسر قلبك يوم العيد بين أطفال الرَّعية، وأنت بهذه الهيئة وهم بتلك الهيئة، فردَّ ردَّ الرجال المؤمنين، قال: أبتاه إنما ينكسر قلب من عصى ربه ومولاه، وعقَّ أمه وأباه، أما أنا فلا والله. ما الذي علَّم هذا الطفل إلاّ الله الذي رزقه الإيمان من صغره فتربى على الإيمان، فكان منه ما كان. صحيح أخرجه ابن حبان.فالمؤمن :
وقال صلى الله عليه وسلم : (( مثل المؤمن كمثل النخلة ما أخذت منها من شئ نفع )
النخلة تثمر طوال السنة بلح رطب والمؤمن أينما حل نفع كالغيث والنخلة أعضاءها وجذوعها وجريدها يفيد البلاد والعباد والمؤمن كله خير كلامه وماله وحركته ، والنخلة ترمى بالحجر وترد بأطيب الثمر وهكذا المؤمن يدفع الإساءة بالإحسان ،النخلة أصلها ثابت لا يتزعزع والمؤمن ثابت لا تغيره شهوة ولا شبهه ولا غيرها فهو ثابت على دينه وتقواه . النخلة فرعها في السماء والمؤمن لا يأخذ زاده وغذاءه إلا من خالق السماء . -- مثل النحلة:روي مسند الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّ مَثَلَ الْمُؤْمِنِ َلكَمَثَلِ النَّحْلَةِ أَكَلَتْ طَيِّبًا وَوَضَعَتْ طَيِّبًا وَوَقَعَتْ فَلَمْ تَكْسِر ولم تُفْسِد .ْ صححه الشيخ أحمد شاكر والشيخ الألباني . ( كل الذباب في النار إلا النحل ) صحيح الجامع-- لا يتغير مع الفتن-- حديث أبوذر-- فيجب التعامل على قاعدة التكريم. قال تعالى : } وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً { الاسراء:70،ـ (( لئن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خيرٌ له من أن يجلس على قبر)) وحُرْمة ترويع المؤمن متحقِّقة، ولو كان بمجرد النظرة ،فقد رُوِيَ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلَ الله عليه وسلم: ''مَن نظر إلى مسلم نظرةً يُخيفه فيها بغير حق أخافَه الله يوم القيامة''، يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم ( من آذى ذميًا فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله" .(رواه الطبراني بإسناد حسن.
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)
اخْتَرْالموضوعَ الذى تَوَدُّ قِرَاءَتَهُ
هذه ليست بلادى
احسب وزنك
|