د. عبد الله الأشعل
-
بقلم: السفير د. عبد الله الأشعل
--------
لاحظتُ أن فريقًا من المصريين الذين يلتمسون الأعذار لاستمرار الحكومة في مصر بإغلاق معبر رفح في وجه الفلسطينيين في غزة.. أنهم يصرُّون على أن مصر ملتزمة التزامًا قانونيًّا بعدم فتح المعبر، فأوهموا الرأي العام بأن موقف الحكومة يستند إلى قدسية المعاهدات، وأن تمسّك مصر بهذا الموقف رغم ما تعانيه في ضميرها وفي نفسها مما يعانيه الفلسطينيون هو موقفٌ شريفٌ يجب الصمود معه مهما كانت الظروف.
ولو تماشينا مع هذا الافتراض الفاسد القائم على جهل متعمَّد، وافترضنا أن مصر ملتزمة بمعاهدة بألا يُفتَح المعبر إلا بعد توفر شروط معينة؛ فإن أي عاقل لا بد أن يقارن بين عدم احترام هذا الالتزام والضرر الذي يلحق بالفلسطينيين في غزة، وهو ضررٌ لا يمكن إصلاحه؛ لأن الشعب في غزة يتعرَّض لفصلٍ حديثٍ من فصول الإبادة التي يمارسها الكيان الصهيوني منذ نشأته في فلسطين؛ لأن الاعتبارات الإنسانية تكتسح أي التزامات قانونية، وهم يعلمون أن كل الالتزامات تتضاءل أمام جريمة تُرتَكب عمدًا وبشكل متواتر، ونحن نتفرج عليها كما لو كانت فيلمًا سينمائيًّا أو عملاً دراميًّا أبدعته قريحة فنية.
والواضح أمامنا أن مصر الرسمية ألزمت نفسها بإغلاق المعبر، وهي تعرف تمامًا النتائج المترتبة على هذا الإغلاق، كما تعرف أن فتح المعبر يفوِّت على الكيان الصهيوني مخطط الإبادة.
ولا يجوز التوقف لحظةً واحدةً أمام بعض السفاهات التي حاول البعض أن يسوقها لتبرير موقف الحكومة المصرية؛ مثل أن إغلاق المعبر يمثِّل ضغطًا على حماس حتى تتخلَّى عن السلطة في غزة، وكان عنوان هذه الحجة ما صرَّح به البعض من أن مصر لا تسمح بإقامة إمارة إسلامية في غزة، وهي مقولات فاسدة؛ لأن حماس كانت تطالب دائمًا- رغم اكتساحها الانتخابات- بتشكيل حكومة الوحدة الوطنية، وتعمَّد أبو مازن إفشال هذه الفكرة، وحتى لو اختار الشعب الفلسطيني أن يُقيم إمارةً إسلاميةً فلماذا يقلق هؤلاء من إمارة إسلامية، بينما يُمتِّعون أنظارهم بالإمارة اليهودية الخالصة التي تعوي بالحقد على حدودهم؟! وما شأن مصر بأن تُنهي حماس سيطرتها على غزة وهو جزءٌ من الصراع بين الفلسطينيين؟! ولكن مصر تضع نفسها في موضع الذي يريد أن يرتب الأوضاع في فلسطين وفقًا لرؤية أبو مازن والكيان الصهيوني، وتعرِّض نفسها للاتهام بأنها تشارك في إبادة شعب غزة.
والحق أنني لم أفهم يومًا لماذا تتهم مصر الرسمية حماس بالحق والباطل؟! وهل إغلاق المعبر جزء من سياسة التصدي لحماس وإضعافها؟! ولماذا تصرّ مصر على قيادة الحوار الفلسطيني وهي لا تدَّعي الحياد قلبًا وسلوكًا؟! وما هي مصلحة مصر الوطن حتى تتخذ مصر الرسمية هذا الموقف الذي لا يتحمله ضمير المصريين أمام الله وأمام التاريخ؟! بل إن كل من يحاول كسر هذا الحصار يعتبر خارجًا على الوطنية ومتحيِّزًا لعدوِّ الوطن، في عصرٍ اختلط فيه الذئب بالحمَل، والعدوُّ بالصديق، والوطني الحق بالخائن لأبسط مبادئ الوطنية.
وإذا أصر كُتَّاب الصحف الحكومية على أن مصر ملتزمة باتفاق نوفمبر 2005م؛ وذلك عن جهلٍ منهم؛ فأنا مستعد أن أبعث لهم فردًا فردًا بنسخة من هذا الاتفاق إذا اعترفوا بجهلهم، تطبيقًا لمقولة علي بن أبي طالب: "إذا اعترف الجاهل بجهله فهذا جاهل فعلِّموه"، ولكن إذا كانوا يشوِّهون الحقائق لتبرير موقف شائن فهو رتبة من رتب ادِّعاء العلم، وعقوبته عند علي بن أبي طالب من حيث إنه جاهل لا يعلم أنه جاهل "فهذا أحمق فقوِّموه"، ولقد نذرت نفسي لتقويم هذه الفئة التي تضلِّل الوعي الوطني وتدَّعي العلم حتى تُزيِّف ذاكرة الأمة.
ابحثوا معي أيها السادة عن سبب آخر يُقنع بأن تجاهل مأساة غزة أولى من المغامرة بإنقاذهم أو عدم المشاركة في إبادتهم.
هناك تعليق واحد:
بارك الله فيك يا سيادة السفير يا ريت تشرح الامر على الحكومه يمكن مش وخدين بالهم ينوبك الثواب اما اذا كانوا سيقين فيها فدا امر تانى. ..............لكى الله يا غزه....
ابراهيم السيد عبدالحافظ
إرسال تعليق