ياعلماء الأمة : ماذا أقول لكم ؟!
تزاحمت العَبَرَات ، وتاهت الكلمات ، واشتبكت الدموع بالخدود ، وأنا أشاهد تلك المشاهد المروعة من أشلاء أطفال متناثرة ، وأطراف نساء متطايرة ، ودماء شباب طاهرة ، وصرخات شيوخ حائرة وسط قطاع غزة الحزين إِثر الغارات الصهيونية الآثمة والتي راح ضحيتها المئات من الشهداء والمئات من الجرحى فى أقبح مجزرة ضد الإنسانية فى القرن الحالي .
حدث ذلك فى ساعات معدودة وسط ذهول الأحرار من المسلمين والذين لم يسمعوا من حكامهم كلمة واحدة ولو من باب جبر الخواطر ، ولكن بعد أن سكت بعضهم دهرا نطق كفرا ، فسوى بين الجلاد والضحية ، ولا عجب فهؤلاء قد باعوا أنفسهم للشيطان الأكبر وخانوا شعوبهم وقبل ذلك دينهم . ومصيرهم فى التاريخ معروف ، فأقبَح مزابله فى انتظارهم .
وتساءل الجميع : ماالذى يجعل إسرائيل هذه الدَُوَْيلة اللقيطة تستأسد على العُزَّل المحاصرين ؟ أكان ذلك يحدث لولا أنهم يوقنون بأن أنظمة الفساد والاستبداد فى العالم العربى ستقوم بالواجب !!! نعم ستقوم بالواجب ضد أحرار شعوبهم الذين قد يفكرون ، أي والله مجرد التفكير ، فى نصرة ونجدة إخوانهم المنكوبين . بل أيقن الجميع أن الدولة العِبْرِية لا يمكن أن تقوم بذلك إلا بمباركة من هذه الأنظمة .
على أية حال هذه قضية باتت معروفة للجميع ، ولكن الفاجعة الكبرى تكمن فى صمت العلماء والشيوخ . هؤلاء الذين يملأون الدنيا زعقا ونعيقا ، وصراخا وعويلا لصغار الأمور ودَنِيِِّها أين هم الآن ؟!!! الذين يأتون بالدليل تلو الدليل على وجوب طاعة أنظمة الفساد والاستبداد ، ويقومون بتخدير الأمة حتى أتتها الفواجع من كل جانب ، أوليس عندهم دليل واحد يوجب نصرة المليون ونصف المليون المحاصرين والمحاربين لا لشيء إلا لأنهم مسلمون مجاهدون؟ أين منابرهم ؟ أين حناجرهم ؟ أين فضائياتهم ؟ أين برامجهم ؟ أين فتاواهم ؟ أين دروسهم ؟ أين أقلامهم؟ ألم يسمعوا ؟ ألم يبصروا؟!!! أم أنهم ذهبوا من قَبْلِ الأحداث فى رحلة على مكوك فضاء ؟ وحتى ولو حدث وافترضنا جدلا أن ذلك قد حدث ، ألم تُزكم رائحة دخان القنابل ورائحة أجساد الضحايا أنوفهم وهم فى الفضاء ؟ ألم يستمعوا وهم فى فضائهم لصرخات الضحايا ؟ أم أنهم وجدوا مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً فوَلَّوْاْ إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ؟ أم أنهم أبصروا سلما فى السماء فصعدوه؟ أين أنتم ياعلماء الأمة ؟ وماذا ستقولون لله غدا؟
ألم تعلموا ياعلماءنا ويا مشايخنا – بالرغم من الجراح وبالرغم من الآلام مازلت أقول علماءنا ومشايخنا لأن الأمل عليكم مازال منعقدا - أقول ألم تعلموا أن هناك ما يعرف فى علم الأصول بفقه الأولويات ؟!! وهل هناك أولوية فى هذا الوقت للقول أو للعمل ، للدعوة أو للجهاد تُقَدَّمُ عل نصرة المستضعفين من المسلمين الذين يأتيهم الموت من كل جانب ؟
--- ألم تروُوا لنا يامشايخنا مرات ومرات قصة عابد الحرمين ؟!! وقلتم :
أن عبد الله بن المبارك بعث برسالة إلى الفضيل بن عياض يقول فيها :
يَا عَابدَ الحَرَمَينِ لَوْ أبْصَرْتَنَا
لَعَلِمتَ أنَّك فَي العِبَادَةِ تَلْعَبُ
مَنْ كَانَ يَخْضبُ خَدَّه بِدمُوعِه
فَنُحورُنَا بِدِمَائنَا تَتَخَضَّبُ
أو كَانَ يُتِعِبُ خَيلَهُ فِي بَاطِلٍ
فَخُيُولُنا يَومَ الصَّبيحَة تَتعبُ
ريحُ العَبِيرِ لَكُمْ وَنَحنُ عَبِيرُنَا
رَهجُ السَّنَابِكِ وَالغُبَارُ الأطيْبُ
وَلَقد أتَانَا مِنْ مَقَالِ نَبِيِّنَا
قَولٌ صَحِيحٌ صَادِقٌ لا يَكْذِبُ
لا يَستَوي غُبَارُ خَيِل الله فِي
أنْفِ امرئ وَدُخَانُ نَارٍ تَلْهَبُ
هَذَا كَتَابُ الله يَنْطِق بَيْنَنَا
لَيْسَ الشَّهِيدُ بِمَيِّتٍ لاَ يَكْذبُ
أم أنكم الآن ستكذبون هذه القصة على عادة بعضكم ؟ وهل فيها ما ينافى الأصول الشرعية فى شيء ؟ هل عندما تكون الأمة فى حالة جهاد : أيهما أولى : أن يجلس علماء الأمة فى مساجدهم أم يقودون الأمة فى ميادين الوغى؟ أهناك ما يمنع أن يُذَكِّر التلميذ أستاذه كما فعل ابن المبارك مع أستاذه الفضيل؟
-- أين حديث سيد الشهداء ؟ أم أنه حديث ضعيف أو موضوع لا أصل له ؟ ألم تُعَلِّموننا ياعلماءنا هذا الحديث الذى رواه جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله" رواه الترمذي والحاكم وقال صحيح الإسناد
لماذا لا تقومون للحكام فتذكرونهم وتعرفونهم بواجبهم الشرعي نحو نصرة المنكوبين فى غزة وحتى ولو أدى الأمر لأن يكتب الله لكم منزلة سيد الشهداء ، عندها تحققون فوزا ورضوانا ، ونعيما وغفرانا ، وتحفرون مواعظكم فى سويداء قلوبنا .
-- إنني والله فأشعر بالخجل وأنا أذَكِّرُهم ، ماذا أقول لشيوخ يقيمون الدنيا ولا يقعدونها للحديث عن حكم دم البرغوث الذي يصيب ثوب المصلي مثلا ولا ينطقون بكلمة واحدة عن حكم الدماء الذكية للمسلمين التي تسال علي أرض فلسطين ليل نهار ، والذين لايُحَرِّكهم أنين الشيوخ أواّهات المرضي الذين يعذبون بفعل الحصار الظالم الذي يفرضه اليهود والمسلمون على حد سواء عليهم، بل الأدهى وأمر أنهم قد يخَطِّئُون من يفعل ذلك!!.
-- ماذا أقول لشيوخ يقيمون الدنيا ولا يقعدونها للحديث عن 70 خطأ فى الوضوء و100 خطأ فى الصلاة و...و... و... ولكن مايحدث من جرائم إبادة بأيدينا وأيدي أعدائنا لإخواننا المسلمين الذين ينطقون بالشهادتين ويصُلون إلى قبلتنا لا يمثل خطأ ولا خطيئة ولا عيباً ولا ذنباً وبالتالي لا يستحق منهم كلمة واحدة يضيِّعون معها وقتهم ووقت مشاهديهم الغالي والنفيس !!
-- يا أيها الشيوخ والعلماء : لماذا تأخذون المسلمين بعيدا بعيدا عن قضاياهم الحقيقية ؟ لماذا تغرقونهم فى التفصيلات والجزئيات وتضيِّعون الكليات ؟ أو ليست نصرة المسلم لأخيه من واجبات العقيدة ومقتضياتها ؟ أو ليس تذكير الحكام فى هذا الوقت للقيام بدورهم هو من أفضل الجهاد ؟ أو ليس السعي فى حاجة المسلم أعظم أجرا من قيام الليل وصيام النهار ؟ فما ظنكم بإغاثة الملهوف ونصرة المظلوم وإنقاذ إنسان من الموت؟
إن الأمة تنتظر منكم أن تهُبُّّوا لنصرة المسلمين المُحاصَرين في غزة، وتحثُّّون المسلمين على نصرة أهاليهم وإخوانهم في فلسطين ، فماذا أنتم فاعلون؟!!
هناك تعليق واحد:
حسبنا الله ونعم الوكيل
هل ارتضينا لأنفسنا الهوان
واستكانت قلوبنا إلى الخزى والعار
حتى أصبحت لاتحركها الفجيعة ورائحة الدماء ؟؟؟؟
إرسال تعليق