إتقــــان العــمـــل
نقف قليلا مع هذين اللفظين " العمل " و" الإتقان"
أولا : نظرة الإسلام للعمل :
1 - لقد جعل الإسلام العمل المهني نعمة تستحق الشكر: قال تعالى:(لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ) فالآية تشير أن ما يتغذى عليه الإنسان هو من كسبه وكده سواء كان بزراعة الأرض وهو ما أومأت إليه الآية : " مِنْ ثَمَرِهِ " أو بالتجارة المشروعة كما في قوله : " وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ " وهذه القدرة التي منحها الله تعالى للإنسان والعلم الذي وهبه إياه لاستخراج ما في بطن الأرض من الخيرات والثمرات وإدارة موارد الطبيعة وحسن توظيفها هو نعمة عظيمة تستحق الشكر الجزيل والاعتراف بالجميل
2 – اعتبر الإسلام العمل نوعا من الجهاد : ينال به درجة المجاهدين وشرف المرابطين " فقد قال بعض الصحابة حين رأوا شابًا قويًا يسرع إلى عمله: لو كان هذا في سبيل الله؟ فيرد رسول الله r عليهم بقوله: «لا تقولوا هذا فإنه إن كان خرج يسعى على ولده صغارًا فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى رياء ومفاخرة فهو سبيل الشيطان» «الترغيب والترهيب» للمنذري، ، وقال r: «الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، وكالذي يقوم الليل ويصوم النهار». سنن ابن ماجه
ولما لا يعد العمل جهادا ؟ وهو الذي يوفر الطعام والشراب والكساء والسلاح والمال للمرابطين في أرض المعركة ولولا العمال الكادحين والصناع المهرة ما قامت لنا قائمة ، وبعث عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – " سفيان بن مالك " ساعيا بالبصرة فمكث حينا ثم استأذنه في الجهاد فقال له عمر : أولست في جهاد ؟
3 – والعمل الجاد مكفر للذنوب ومطهر للآثام : فقال – صلى الله عليه وسلم - : قال r: «من بات وانيًا من عمله بات والله عنه راض» موسوعة رسائل ابن ابي الدنيا وفي رواية: «من بات كالاًّ من عمله بات مغفورًا له».
4– والعمل صدقة جارية وأجر غير ممنون : مهما كان حجمه ، وذلك إذا نوى صاحبه إطعام الجائع وكساء العاري وشفاء المريض وإغناء الفقير ولطالما انتفع الناس والحيوان بثمرة عمله قال – صلى الله عليه وسلم – " من بنى بنيانا من غير ظلم ولا اعتداء أو غرس غرسا في غير ظلم ولا اعتداء كان له أجر جار ما انتفع به خلق الله " المسند للإمام أحمد .وقال أيضا : " ما من رجل يغرس غرسا إلا كتب الله عز وجل له من الأجر قدر ما يخرج من ثمر ذلك الغراس " المسند للإمام أحمد وقال أيضا : " ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة " فتح الباري
5 – الإسلام رفع من قيمة العمل وأعلى قدر العاملين : وحرم التبطل وحارب الخمول والكسل، وهناك أحاديث تنهى عن القعود وتشحذ همم العاملين كقوله صلى الله عليه وسلم – : " لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة الحطب على ظهره فيبيعها فيكف بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه " متفق عليه ، وكان عبد الله بن مسعود يقول : " إني لأكره الرجل فارغا لا في عمل الدنيا ولا في عمل الآخرة " المقاصد الحسنة للسخاوي
6 – إشارة القرآن الكريم إلى كثير من الصناعات التي لا يستغني عنها الناس يؤكد على قيمة العمل :
- مثل صناعة الحديد : " (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ)
- وصناعة الأكسية " (وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ)
- والصناعات الحربية : ( وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ* أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً)
- وصناعة الجلود : " وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ[
- وصناعة الملابس : ]وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ[ والسربال : القميص من أي شيء كان. فقد يكون من القطن والكتان وغيرها، وقيل: هي ما لبس من قميص ودروع فهو سربال
- وصناعة السفن والمراكب : ]فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا[
- والصناعات المسكنية : وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا[
7- كثير من الأنبياء كان لهم حرف يرتزقون منها : فآدم – عليه السلام – حراثا ، وداود صناعا للسرد والدروع ، وموسى راعيا ، وكذا نبينا اشتغل بالرعي ، كما أن من الصحابة الكرام من امتهن التجارة كأبي بكر الصديق، والحدادة كحباب بن الإرت والرعي كعبدالله بن مسعود، وصناعة الأحذية كسعد بن أبي وقاص والخدمة كبلال بن رباح والخياطة كالزبير بن العوام، وفي هذا المجال يقول الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (أني
لأرى الرجل فيعجبني فأقول أله حرفة فإن قالوا لا سقط من عيني)..
نعم فقد حث الإسلام المسلم على أن يكون ديدنه في حياته كلها العمل والعطاء وتعمير الأرض وبناء الحياة حتى يدركه الموت أو الساعة قال – صلى الله عليه وسلم : «إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا يقوم حتى يغرسها فليغرسها». رواه أحمد في المسند
ثانيا : لماذا نعمل ؟؟ :
1 : العمل مهما كان قدره ومهما كان ربحه وعائده فهو يمنع صاحبه من مذلة بالسؤال ويمنح صاحبه توقير المجتمع واحترامه، ويحيا عزيزا كريما ويموت جليلا حميدا واليد العليا خير من اليد السفلى وفي حديث البخاري عن أبي هريرة – رضي الله عنه : " لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير له من أن يسأل أحدا فيعطيه أو يمنعه "
2 : أن تقدم الأمة في الصناعات المختلفة وريادتها في الأعمال المبتكرة يحقق لها المنعة من الأعداء المتربصين بها والطامعين في ثرواتها وكنوزها ، وقد رأينا يوم أن أصبحنا عالة على غيرنا في ما نأكل ونشرب ونلبس ونركب ونحن لا حول لنا ولا قوة نهبت أموالنا وصودرت أراضينا ومقدساتنا ؛ ولذا كان من مخطط الغرب لنا أن يبقينا شعوبا جاهلة متسولة لكل تقنية، تعيش وتقتات على صناعات غيرها
لذا فإن العمل والإنتاج لسد حاجة المجتمع وتقوية بنيته ، وتحقيق تقدمه وريادته في شرعنا فرض تأثم الأمة كلها إذا لم يتحقق لها ذلك ، يقول ابن تيمية – رحمه الله تعالى -: " لهذا قال غير واحد من الفقهاء من أصحاب الشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهما كأبي حامد الغزالي ، وأبي الفرج ابن الجوزي وغيرهم : إن هذه الصناعات فرض على الكفاية فإنه لا تتم مصلحة الناس إلا بها " ثم يقول: "المقصود هنا أن هذه الأعمال التي هي فرض على الكفاية متى لم يقم بها غير الإنسان صارت فرض عين عليه، لا سيما إن كان غيره عاجزًا عنها".
ثالثا : ضوابط العمل:
1 – أن لا يكون هذا العمل مما نصت الشريعة على حرمته وبان ضرره وعظم خبثه كزراعة المخدرات والاتجار فيها وتعاطي الربا في المعاملات المالية وغير ذلك ، والمحرمات في ديننا معروفة ومحدودة ودائرة الحلال واسعة تستوعب كل النشاط الإنساني
2 – العمل ليس هدفا في حد ذاته ؛ وإنما هو وسيلة تغني المسلم وتكفل له حياة كريمة فينبغي أن لا تشغله عن آخرته وتعطله عن ربه وتعوقه عن خدمة دينه بل ترفعه إلى العطاء ورعاية واجباته الدعوية قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ)(المنافقون: من الآية9)
فالمؤمنين ليسوا عالة على غيرهم تشغلهم عبادتهم عن العمل والكسب ، وليسوا طلاب دنيا وعبيد مال تحجزهم مصالحهم وتلهيهم تجارتهم عن أداء حقوق الله تعالى ،(وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ) (القصص: من الآية77) ، ودخل عبد الله بن عمر- رضي الله عنه - السوق ، فأقيمت الصلاة فأغلق التجار حوانيتهم ودخلوا المسجد فقال : فيهم نزلت :(رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ )(النور: من الآية37) ، وقال مطرف الوراق : " كانوا يبيعون ويشترون ولكن كان أحدهم إذا سمع النداء وميزانه في يده خفضه وأقبل إلى الصلاة "
3 – أن يقنع المسلم بما قسمه الله له ويرضى برزقه وهذا يمنعه من التطلع إلى ما في أيدي الناس ، وسلوك طرق محرمة لزيادة دخله كالرشوة والسرقة والتزلف لذوي الأموال
هي القناعة لا تبغي بها بدلا *** فيها النعيم وفيها راحة البدن
انظر لمن ملك الدنيا بأجمعها***هل راح منها بغير القطن والكفن
4 – في المال حق لله تعالى إذا بلغ النصاب يجب إخراجه بتمامه في موعده دون تلكأ أو تأخير : ( وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ )(الأنعام: من الآية141) ،(خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا )(التوبة: من الآية103) وبذلك يساهم العامل في سد حاجة الفقراء وإغاثة الملهوفين ونجدة المحرومين ويساعد بماله الذي من كده وتعبه في بناء مجتمعا قائما على التكافل والرعاية
رابعا :ما هو الإتقان؟
إتقان العمل يعني ما يلي:
أولاً: أداء العمل دون خلل فيه.
ثانياً: الالتزام بمتطلبات ذلك العمل من التقيد بضوابط وتقنيات معينة.
ثالثاً: أداؤه في الوقت المحدد دون تأخير.
رابعاً: التفكير في تطوير ذلك العمل حتى لا يبقى العمل فى مستوى جامد.
خامسا : أهمية إتقان العمل:
على مستوى الفرد :
1 – أن المسلم الذي يحسن في صنعته ويتقن حرفته ويخلص في أداء عمله ينال حب الله تعالى ورحمته ففي الحديث: «إن الله تعالى يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه» كنز العمال ، وفي رواية: «إن الله يحب من العامل إذا عمل عملاً أن يحسن» كنز العمال
2 – ينال المتقن احترام الآخرين ويكسب تقديرهم لمهارته وينال ثقتهم فيه يقول الإمام علي –رضي الله عنه - : " قيمة كل امرئ بما يحسن ، وما لا يحسن لا يحمد " فبالإحسان تتفاوت أقدار الرجال .
على مستوى الأمة :
فبالإتقان ترتقي الحياة وتتقدم الأمة ويحصل لها غنى عظيم وثروات طائلة وريادة في المجالات المختلفة صناعية وتجارية وزراعية وبهذا يفرض الإسلام نفسه على العالم الذي لا يقدر إلا الأقوياء ولا يعترف إلا بأصحاب المال والجاه وبذلك تتحقق أستاذية العالم .
سادسا :مجالات الإتقان
مجالات الإتقان كثيرة، منها :
1- الإتقان في العبادات بأنواعها:
- فمثلاً في الوضوء :يقول النبي -عليه الصلاة والسلام: ((مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ جَسَدِهِ))
- وفى الصلاة : قال تعالى : {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ}وهذه الإقامة تتضمن الإتقان والإحسان والإتمام
،وقال الحبيب "يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله"
- وفي موضوع التكفين، يقول النبي -عليه الصلاة والسلام- : ((إِذَا كَفَّنَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُحَسِّنْ كَفَنَهُ)).رواه مسلم .
- وفي قراءة القرآن : قال -عليه الصلاة والسلام- :((الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ لَهُ أَجْرَانِ)) رواه البخاري ومسلم .
-وفي قصة مشروعية الأذان حينما رأى عبد الله ابن زيد الرؤيا قال له صلى الله عليه وسلم "ألقه على بلال فإنه أندى منك صوتاً"
- وفي حفر القبر :قال : ((احْفِرُوا ، وَأَعْمِقُوا ، وَأَحْسِنُوا)) رواه النسائي وهو حديث صحيح .
فهذا هو الإتقان في التوسعة والعمق، لا توسعوا كثيراً ولا تضيقوا أيضاً .
2- وفي التربية :
((أَيُّمَا رَجُلٍ كَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ، فَأَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا،)) الحديث رواه البخاري.
3- الإتقان في العلم
عن أبي عبد الرحمن السّلمي أنه قال: حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن، كعثمان بن عفان وعبد الله ابن مسعود وغيرهما أنهم كانوا إذا تعلّموا من النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عشر آياتٍ لم يجاوزوها حتى يتعلّموا ما فيها من العلم والعمل.قالوا: فتعلّمنا القرآن والعلم والعمل جميعاً ..
قال أبو عيسى الترمذي في سننه : إنما تفاضل أهل العلم بالحفظ والإتقان.
4-الإتقان في العمل الحياتى:
لقد كانت قضية الإتقان عند المسلمين ليست خاصة بالشعائر التعبدية، ولا بالعلوم الشرعية، وإنما أيضاً في الأعمال الدنيوية، لأن الدين يُخدم بها.
فمثلا تأمل هذا النموذج القراّنى: فقد قص الله علينا في كتابه إتقان ذي القرنين في البناء، {حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْماً لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً*قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً*قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً }
وضع خطة العمل مفصلة على مراحل :
- { آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ ) أي: تجميع قطع الحديد، ثم اجعلوا بعضها فوق بعض
- {حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ}. فملأ المسافة بين الجبلين بما يشبه الجبل الثالث
- ثم جاءت مرحلة { قَالَ انْفُخُوا } وأوقدوا النيران، وهاتوا المنافخ، حتى إذا جعله ناراً لتصهر هذه القطع المنفصلة، فتلتحم وتصير قطعة واحدة.
- { قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا } أي: النحاس المذاب، لتكون سبيكة من الحديد والنحاس غير قابلة للاختراق، ، وصار سداً منيعاً محكماً ملتصقاً من هذه الجهة لهذا الجبل، ومن هذه الجهة لهذا الجبل مرتفعاً في علو الجبلين،
- (فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ) من ارتفاعه،
- { وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا } من سمكه وإتقانه وأحكامه،
فهذا هو الإتقان في الصنعة بهذه الطريقة العظيمة.
* والنبي -عليه الصلاة والسلام اهتم بمسألة الإتقان في بناء المسجد النبوي كما جاء في حديث طلق بن علي رضي الله عنه : جِئْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ يَبْنُونَ الْمَسْجِدَ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يُعْجِبْهُ عَمَلُهُمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُ عَمَلَهُمْ أَخَذْتُ أُحْذِقُ الْمِسْحَاةَ (أي: المجرفة من الحديد) فَخَلَطْتُ بِهَا الطِّينَ، فَكَأَنَّهُ أَعْجَبَهُ أَخْذِي الْمِسْحَاةَ وَعَمَلِي، فَقَالَ: ((دَعُوا الْحَنَفِيَّ وَالطِّينَ، فَإِنَّهُ أَضْبَطُكُمْ لِلطِّينِ)). رواه أحمد والطبراني في المعجم الكبير . وفي رواية: ((قَرِّبُوا الْيَمَامِيّ مِنْ الطِّينِ فَإِنَّهُ أَحْسَنُكُمْ لَهُ مَسًّا وَأَشَدُّكُمْ لَهُ سَبْكًا)). إتقان، وفي لفظ لابن حبان : فَقَلَتْ: يَا رَسُول اللَّهِ أَأَنْقُلُ كَمَا يَنْقُلُونَ ؟ أنا أعمل في نقل الحجارة ؟
فَقَالَ: ((لا وَلَكِنْ اِخْلِطْ لَهُمْ الطِّين فَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ)) " فتح الباري.
وصلى الله وسلم على معلم الناس الخير