فى الإتقان عز الأوطان
إن حال أمتنا لا يخفى على أحد ، وما آلت إليه أوضاعنا تنبئ بما لا تحمد عقباها ، لولا أن تتداركنا رحمة ربنا ونفيق نحن من غفلتنا ، حيث أصبحنا عالة على غيرنا وقرارنا فى أيدى عدونا ، وما ذلك إلا لأننا نسينا أو تناسينا عظمة منهاجنا وفخامة تاريخنا وسبيل تقدمنا ورفعتنا ، فكان الجزاء من جنس العمل ( نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ ) (الحشر: من الآية19)
لقد قل عملنا وإنتاجنا ، وإذا عملنا فما أتقنَّا مع أننا كمسلمين ندين لله بخلق الإتقان .. خلق العمل والنجاح .. خلق العمل للدنيا والآخرة .. خلق الحث على مكابدة الحياة واستسهال الصعاب .. خلق الفأل والأمل المحمود الذي يبلغ بالمجتمع المجد بعد أن يلعق الصبر مرات ولا يكاد يسيغه .فالإسلام يعلمنا الإتقان منذ نعومة أظفارنا حيث أن أول عمل يتطلب الإتقان في حياة المسلم هو الصلاة حيث يطالب بها في السابعة ويضرب عليها في العاشرة، فإذا وصل مرحلة الشباب والتكليف كان متقناً للصلاة مجَوِّداً لها محسناً أداءها، فالمسلم في الصلاة يتقن عدداً من المهارات المادية والمعنوية، فإقامة الصلاة و ما يطلب فيها من خشوع واستحضار لعظمة الخالق، وطمأنينة الجوارح، وتسوية الصفوف، ومتابعة الإمام، ثم ممارسة الصلاة خمس مرات في اليوم كل هذه من الممارسات تتطلب التعود على الإتقان حتى تنتقل هذه العادة من الصلاة إلى سائر أعمال المسلم اليومية دنيوية أو أخروية.
ولقد جاءت الشريعة لتؤاخذ غير المتقن، فتُعلمنا بذلك الإتقان في المهن والحرف، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- : ((مَنْ تَطَبَّبَ وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ طِبٌّ قَبْلَ ذَلِكَ فَهُوَ ضَامِنٌ)) أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه ، وحسنه الألباني.
وكذلك لو لم يكن في مواكبة الزمن في آلاته وتقنياته وإتقانه أهمية ومعنى لما أمر الله به في قوله :" وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ " (60 سورة الأنفال) .فالنبل لا يقاوم المدفع والرمح لا يرد صاروخًا ، كما أن المشي على الأقدام ليس كركوب الدابة وليس الماشي كالجاري .
والإتقان في الإسلام ليس هدفًا سلوكيًّا قاصرًا على الفرد فحسب ، بل هو سمةٌ حضاريةٌ للمجتمع المسلم تنمحي بسببه بعض السلوكيات كالفوضى واللامبالاة ، بل ينمحي بسببه مفهم الأنا ،هذه الصفة التى هي إحدى صرخات السياسة الفرعونية : "مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى" (29 سورة غافر) ..
فهيا إلى العمل : إن عمل رجل في ألف رجل، خير من كلام ألف رجل في رجل، ولذا فإن الثرثرة والعمل المتقن لا يجتمعان معاً، إذ يحتاج الإتقان إلى تركيز، والثرثرة بعثرة لكل عوامل التركيز.. إن الكلام ولو ملأ طباق الأرض فلن يعلن عن صاحبه، ما لم يقترن بعمل جاد متقن.. إن العويل والصراخ وكثرة الشكوى مضيعة للوقت، والعمل يحتاج إلى كل لحظة.. إن النجاح في الحياة لن يذهب إلا لمن يستحقه.
ولتعلم أخى الحبيب أن الإتقان فى أي شيء يعود على صاحبه أولا بالمنفعة العظيمة ، وهذا بيان لما أقول:
قال مطرف بن عبد الله: شهدت جنازة واعتزلت ناحية قريبا فصليت ركعتين كأني خففتهما لم أرض إتقانهما ونعست فرأيت صاحب القبر يكلمني.
فقال: ركعت ركعتين لم ترض إتقانهما!
قلت: قد كان ذلك.
قال: تَعملون ولا تَعلمون، ونحن نعلم ولا نستطيع أن نعمل؛ لأن أكون ركعت مثل ركعتيك أحب إلي من الدنيا بحذافيرها
وأخيراً.. كم نتمنى، ويتمنى معنا كل محب لوطنه، أن يصبح الإتقان عادة وسلوكا في حياتنا في كل شيء.. في العبادة ....في القول.. في العمل.. في الإنتاج.....
فهل قدمت أنت كصاحب دعوة النموذج والمثل لمن حولك !!الله المستعان.
هناك تعليق واحد:
جزاكم الله خيرا
موضوع رائع
جعله الله لك فى صحائف اعمالك
إرسال تعليق