اجتماع العيد والجمعة في يوم واحد
تقبل الله منا ومنكم.. وكل عام وأنتم بخير
عيد الأضحى المبارك هذا العام 1430 يتوافق مع يوم الجمعة الموافق 27-11- 2009 وهى مسألة ليست بالجديدة على الفقه الإسلامي .. فوقوعها معروف في تاريخ المسلمين.
وقد وقعت عام 1420هـ عندما وافق يوم عيد الفطر يوم جمعة.. وقد تكرر مثل ذلك في أعوام سابقة.
وهنا نتسأل:
ما هي الآثار الواردة في ذلك أولا ً؟
هل تلزم الجمعة من شهد العيد؟
فإن قلنا بعدم اللزوم فهل يسقط عنه الظهر؟
هل يستوي في ذلك الإمام والمأموم؟
وسنحاول - بعون الله الذي لا معين سواه - تناول هذه التساؤلات عند علمائنا القدامى منهم والمعاصرين.. ثم نوضح الراجح من هذه الأقوال.
أقوال الفقهاء
القول الأول: تجب الجمعة على من شهد العيد، ولا تسقط الجمعة عن أهل البلد ولا عن أهل القرى.
وهو قول أبي حنيفة رحمه الله، مستدلا ً بعموم الأدلة التي تدل على وجوب الجمعة.. وعلى ذلك فيستوي من شهد العيد ومن لم يشهده حيث لم تفرق الأدلة بينهما .
القول الثاني: أنَّ صلاة العيد إذا صُليت، سقطت الجمعة عن أهـل القرى وتبقى واجبة على أهل البلد.
وهو مذهب الإمام الشافعي رحمه الله، واستدل بقـول عثمان رضي الله عنه: "إنه قد اجتمع لكم في يومكم هذا عيدان، فمن أحب من أهل العالية أن ينتظر الجمعة فلينتظرها، ومن أحب أن يرجع فقد أذنت له" مالك في الموطأ .
القول الثالث: أنَّ من شهد العيد سقطت عنه الجمعة، وتجب عليه صلاة الظهر.
وهو مذهب الإمام أحمد رحمه الله، وفي وجوبها على الإمام روايتان، والذي ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى : أنَّ على الإمام أن يقيم الجمعة ليشهدها من شاء شهودها، ومن لم يشهد العيد.
وذلك لما رواه أبو داود في سننه عن إياس بن أبي رملة الشامي قال:" شهدت معاوية بن أبي سفيان وهو يسأل زيد بن أرقم قال: أشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيدين اجتمعا في يوم؟ قال: نعم، قال: فكيف صنع؟ قال: صلى العيد ثم رخص في الجمعة، فقال: من شاء أن يصلي فليصل".
أخرجه أحمد ، وأبو داود ، والنسائي ، وبما رواه أبو داود في سننه أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:" قد اجتمع في يومكم هذا عيدان، فمن شاء أجزأه من الجمعة، وإنا مجمعون" .
أخرجه أبو داود ، وابن ماجه ، فدل ذلك على الترخص في الجمعة لمن صلى العيد في ذلك اليوم، وعلم عدم الرخصة للإمام من قوله في الحديث: "وإنا مجمعون".
أخرجه أبو داود وابن ماجه ،
ولما رواه مسلم عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما" أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الجمعة والعيد بسبح والغاشية، وربما اجتمعا في يوم فقرأ بهما فيهما "مسلم ).
ومن لم يحضر الجمعة ممن شهد صلاة العيد وجب عليه أن يصلي الظهر عملا بعموم الأدلة الدالة على وجوب صلاة الظهر على من لم يصل الجمعة.
القول الرابع: أنَّ من شهد صلاة العيد سقطت عنه الجمعة والظهر، وهو مذهب علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وابن الزبير وابن عباس رضي الله عنهم، وعطاء بن أبي رباح والشوكاني رحمهما الله وحجتهم في ذلك ما رواه أبو داود عن عطاء قال " صلى بنا ابن الزبير في يوم عيد في يوم جمعة أول النهار ثم رحنا إلى الجمعة فلم يخرج إلينا فصلينا وحداناً وكان ابن عباس في الطائف فلما قدم ذكرنا ذلك له فقال : أصاب السنة".
وقد تعقبه الصنعاني بقوله: "ولا يخفى أن عطاء أخبر أنه لم يخرج ابن الزبير لصلاة الجمعة وليس ذلك بنص قاطع أنه لم يصل الظهر في منزله.. فالجزم بأن مذهب ابن الزبير سقوط صلاة الظهر في يوم الجمعة يكون عيداً على من صلى صلاة العيد لهذه الرواية غير صحيح.. لاحتمال أنه صلى الظهر في منزله.. بل في قول عطاء أنهم صلوا وحداناً أي الظهر ما يشعر بأنه لا قائل بسقوطه ولا يقال إن مراده صلوا الجمعة وحداناً فإنها لا تصح إلا جماعة إجماعا " سبل السلام
وقال ابن عبد البر أيضاً: وأما القول الأول: إن الجمعة تسقط بالعيد ولا تصلى ظهراً ولا جمعة فقول بين الفساد وظاهر الخطأ متروك مهجور لا يعرج عليه .. لأن الله عز وجل يقول: (إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ).
ولم يخص يوم عيد من غيره .. وأما الآثار المرفوعة في ذلك فليس فيها بيان سقوط الجمعة والظهر.. ولكن فيها الرخصة في التخلف عن شهود الجمعة وهذا محمول عند أهل العلم على وجهين:
أحدهما: أن تسقط الجمعة عن أهل المصر وغيرهم ويصلون ظهراً .
والآخر أن الرخصة إنما وردت في ذلك لأهل البادية ومن لا تجب عليه الجمعة.. وضعف الحافظ ابن عبد البر الرواية الواردة عن ابن الزبير وفيها أنه لم يخرج إلى الجمعة
وفي رواية عن الإمام أحمد رحمه الله، ذكرها ابن قدامة في المغني :
وإن قدّم الجمعة فصلاّها في وقت العيد، فقد روي عن أحمد قال: تجزئ الأولى منهما، فعلى هذا يجزئه عن العيد والظهر، ولا يلزمه شيء إلى العصر، عند من جوّز الجمعة في وقت العيد .
وقال به الشيخ / السيد سابق رحمه الله، حيث قال في فقه السنة : وتجب صلاة الظهر على من تخلَّف عن الجمعة لحضوره العيد عند الحنابلة، والظاهر عدم الوجوب.
يراجع في ذلك : المجموع للنووي والفتاوى لابن تيمية ونيل الأوطار للشوكاني والمغني لابن قدامة
وأرجح الأقوال في ذلك هو القول الثالث لما تقدم من الأدلة وهو إختيار شيخ الإسلام رحمه الله.
وهناك نص فتوى شيخ الإسلام بن تيميه رحمه الله:
وسئل رحمه الله عن رجلين تنازعا ً في العيد إذا وافق الجمعة فقال أحدهما يجب أن يصلي العيد ولا يصلي الجمعة وقال الآخر يصليها فما الصواب في ذلك
فأجاب الحمد لله إذا اجتمع الجمعة والعيد في يوم واحد فللعلماء في ذلك ثلاثة أقوال أحدها أنه تجب الجمعة على من شهد العيد كما تجب سائر الجمع للعمومات الدالة على وجوب الجمعة.
والثاني تسقط عن أهل البر مثل أهل العوالى والشواذ لأن عثمان بن عفان أرخص لهم في ترك الجمعة لما صلى بهم العيد.
والقول الثالث وهو الصحيح أن من شهد العيد سقطت عنه الجمعة لكن على الإمام أن يقيم الجمعة ليشهدها من شاء شهودها ومن لم يشهد العيد وهذا هو المأثور عن النبي وأصحابه كعمر وعثمان وابن مسعود وبن عباس وبن الزبير وغيرهم ولا يعرف عن الصحابة في ذلك خلاف.
وأصحاب القولين المتقدمين لم يبلغهم ما في ذلك من السنة عن النبي لما اجتمع في يومه عيدان صلى العيد ثم رخص في الجمعة وفى لفظ أنه قال أيها الناس إنكم قد أصبتم خيرا فمن شاء أن يشهد الجمعة فليشهد فإنا مجمعون.. وأيضا فإنه إذا شهد العيد حصل مقصود الاجتماع ثم إنه يصلي الظهر إذا لم يشهد الجمعة فتكون الظهر في وقتها والعيد يحصل مقصود الجمعة وفى إيجابها على الناس تضييق عليهم وتكدير لمقصود عيدهم وما سن لهم من السرور فيه والانبساط فإذا حبسوا عن ذلك عاد العيد على مقصوده بالإبطال ولأن يوم الجمعة عيد ويوم الفطر والنحر عيد ومن شأن الشارع إذا اجتمع عبادتان من جنس واحد أدخل إحداهما في الأخرى كما يدخل الوضوء في الغسل وأحد الغسلين في الآخر والله أعلم الفتاوى .
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين